{ يوم يقوم الناس } من قبورهم ، { لرب العالمين } أي لأمره ولجزائه ولحسابه . أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، أنبأنا إبراهيم بن المنذر ، أنبأنا معن ، حدثني مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { يوم يقوم الناس لرب العالمين } حتى يغيب أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه " .
أخبرني أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة الكشمهيني ، أنبأنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث ، حدثنا محمد بن يعقوب الكسائي ، حدثنا عبد الله بن محمود ، حدثنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، قال : حدثني سليم بن عامر ، حدثني المقداد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا كان يوم القيامة أدنيت الشمس من العباد حتى تكون قدر ميل أو ميلين -قال سليم : لا أدري أي الميلين يعني مسافة الأرض أو الميل الذي تكحل به العين ؟- قال : فتصهرهم الشمس فيكونون في العرق بقدر أعمالهم ، فمنهم من يأخذه إلى عقبيه ومنهم من يأخذه إلى ركبتيه ومنهم من يأخذه إلى حقويه ، ومنهم من يلجمه إلجاماً .
ثم تعجب الآيات الثلاثة التالية من أمر المطففين ، الذين يتصرفون كأنه ليس هناك حساب على ما يكسبون في الحياة الدنيا ؛ وكأن ليس هناك موقف جامع بين يدي الله في يوم عظيم يتم فيه الحساب والجزاء أمام العالمين : ( ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم ? يوم يقوم الناس لرب العالمين ? ) . .
والتصدي لشأن المطففين بهذا الأسلوب في سورة مكية أمر يلفت النظر . فالسورة المكية عادة توجه اهتمامها إلى أصول العقيدة الكلية : كتقرير وحدانية الله ، وانطلاق مشيئته ، وهيمنته على الكون والناس . . . وكحقيقة الوحي والنبوة . . وكحقيقة الآخرة والحساب والجزاء . مع العناية بتكوين الحاسة الأخلاقية في عمومها ، وربطها بأصول العقيدة . أما التصدي لمسألة بذاتها من مسائل الأخلاق - كمسألة التطفيف في الكيل والميزان - والمعاملات بصفة عامة ، فأمر جاء متأخرا في السورة المدنية عند التصدي لتنظيم حياة المجتمع في ظل الدولة الإسلامية ، وفق المنهج الإسلامي ، الشامل للحياة . .
ومن ثم فإن التصدي لهذا الأمر بذاته في هذه السورة المكية أمر يستحق الانتباه . وهو يشي بعدة دلالات متنوعة ، تكمن وراء هذه الآيات القصار . .
إنه يدل أولا على أن الإسلام كان يواجه في البيئة المكية حالة صارخة من هذا التطفيف يزاولها الكبراء ، الذين كانوا في الوقت ذاته هم أصحاب التجارات الواسعة ، التي تكاد تكون احتكارا . فقد كانت هنالك أموالا ضخمة في أيدي هؤلاء الكبراء يتجرون بها عن طريق القوافل في رحلتي الشتاء والصيف إلى اليمن وإلى الشام . كما افتتحوا أسواقا موسمية كسوق عكاظ في موسم الحج ، يقومون فيها بالصفقات ويتناشدون فيها الأشعار !
والنصوص القرآنية هنا تشي بأن المطففين الذين يتهددهم الله بالويل ، ويعلن عليهم هذه الحرب ، كانوا طبقة الكبراء ذوي النفوذ ، الذين يملكون إكراه الناس على ما يريدون . فهم يكتالون ( على الناس ) . . لا من الناس . . فكأن لهم سلطانا على الناس بسبب من الأسباب ، يجعلهم يستوفون المكيال والميزان منهم استيفاء وقسرا . وليس المقصود هو أنهم يستوفون حقا . وإلا فليس في هذا ما يستحق إعلان الحرب عليهم . إنما المفهوم أنهم يحصلون بالقسر على أكثر من حقهم ، ويستوفون ما يريدون إجبارا . فإذا كالوا للناس أو وزنوا كان لهم من السلطان ما يجعلهم ينقصون حق الناس ، دون أن يستطيع هؤلاء منهم نصفة ولا استيفاء حق . . ويستوي أن يكون هذا بسلطان الرياسة والجاه القبلي . أو بسلطان المال وحاجة الناس لما في أيديهم منه ؛ واحتكارهم للتجارة حتى يضطر الناس إلى قبول هذا الجور منهم ؛ كما يقع حتى الآن في الأسواق . . فقد كانت هناك حالة من التطفيف صارخة استحقت هذه اللفتة المبكرة .
كما أن هذه اللفتة المبكرة في البيئة المكية تشي بطبيعة هذا الدين ؛ وشمول منهجه للحياة الواقعية وشؤونها العملية ؛ وإقامتها على الأساس الأخلاقي العميق الأصيل في طبيعة هذا المنهج الإلهي القويم . فقد كره هذه الحالة الصارخة من الظلم والانحراف الأخلاقي في التعامل . وهو لم يتسلم بعد زمام الحياة الاجتماعية ، لينظمها وفق شريعته بقوة القانون وسلطان الدولة . وأرسل هذه الصيحة المدوية بالحرب والويل على المطففين . وهم يومئذ سادة مكة ، أصحاب السلطان المهيمن - لا على أرواح الناس ومشاعرهم عن طريق العقيدة الوثنية فحسب ، بل كذلك على اقتصادياتهم وشؤون معاشهم . ورفع صوته عاليا في وجه الغبن والبخس الواقع على الناس وهم جمهرة الشعب المستغلين لكبرائه المتجرين بأرزاقه ، المرابين المحتكرين ، المسيطرين في الوقت ذاته على الجماهير بأوهام الدين ! فكان الإسلام بهذه الصيحة المنبعثة من ذاته ومن منهجه السماوي موقظا للجماهير المستغلة . ولم يكن قط مخدرا لها حتى وهو محاصر في مكة ، بسطوة المتجبرين ، المسيطرين على المجتمع بالمال والجاه والدين !
ومن ثم ندرك طرفا من الأسباب الحقيقية التي جعلت كبراء قريش يقفون في وجه الدعوة الإسلامية هذه الوقفة العنيدة . فهم كانوا يدركون - ولا ريب - أن هذا الأمر الجديد الذي جاءهم به محمد [ صلى الله عليه وسلم ] ليس مجرد عقيدة تكمن في الضمير ، ولا تتطلب منهم إلا شهادة منطوقة ، بأن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله . وصلاة يقيمونها لله بلا أصنام ولا أوثان . . كلا . لقد كانوا يدركون أن هذه العقيدة تعني منهجا يحطم كل أساس الجاهلية التي تقوم عليها أوضاعهم ومصالحهم ومراكزهم . وأن طبيعة هذا المنهج لا تقبل مثنوية ولا تلتئم مع عنصر أرضي غير منبثق من عنصرها السماوي ؛ وأنها تهدد كل المقومات الأرضية الهابطة التي تقوم عليها الجاهلية . . ومن ثم شنوا عليها تلك الحرب التي لم تضع أوزارها لا قبل الهجرة ولا بعدها . الحرب التي تمثل الدفاع عن أوضاعهم كلها في وجه الأوضاع الإسلامية . لا عن مجرد الاعتقاد والتصور المجردين . .
والذين يحاربون سيطرة المنهج الإسلامي على حياة البشر في كل جيل وفي كل أرض يدركون هذه الحقيقة . يدركونها جيدا . ويعلمون أن أوضاعهم الباطلة ، ومصالحهم المغتصبة ، وكيانهم الزائف . . وسلوكهم المنحرف . . هذه كلها هي التي يهددها المنهج الإسلامي القويم الكريم !
والطغاة البغاة الظلمة المطففون - في أية صورة من صور التطفيف في المال أو في سائر الحقوق والواجبات - هم الذين يشفقون أكثر من غيرهم من سيطرة ذلك المنهج العادل النظيف ! الذي لا يقبل المساومة ، ولا المداهنة ، ولا أنصاف الحلول ?
ولقد أدرك ذلك الذين بايعوا رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] من نقباء الأوس والخزرج بيعة العقبة الثانية قبل الهجرة : قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن القوم لما اجتمعوا لبيعة رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] قال العباس بن عبادة بن نضلة الأنصاري أخو بني سالم بن عوف : يا معشر الخزرج . هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل ? قالوا : نعم . قال : إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس . فإن كنتم ترون أنكم إذا نهكت أموالكم مصيبة وأشرافكم قتل أسلمتموه فمن الآن ! فهو والله إن فعلتم خزي الدنيا والآخرة . وإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه ، على نهكة الأموال وقتل الأشراف فخذوه ، فهو والله خير الدنيا والآخرة ، قالوا : فإنا نأخذه على مصيبة الأموال وقتل الأشراف . فما لنا بذلك يا رسول الله إن نحن وفينا ? قال : " الجنة " . . قالوا : ابسط يدك . فبسط يده فبايعوه .
فقد أدرك هؤلاء - كما أدرك كبراء قريش من قبل - طبيعة هذا الدين . وأنه قائم كحد السيف للعدل والنصفة وإقامة حياة الناس على ذلك ، لا يقبل من طاغية طغيانا ، ولا من باغ بغيا ، ولا من متكبر كبرا . ولا يقبل للناس الغبن والخسف والاستغلال . ومن ثم يحاربه كل طاغ باغ متكبر مستغل ؛ ويقف لدعوته ولدعاته بالمرصاد .
( ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم ? يوم يقوم الناس لرب العالمين ? ) . .
وإن أمرهم لعجيب . فإن مجرد الظن بالبعث لذلك اليوم العظيم .
يوم يقوم الناس متجردين لرب العالمين ، ليس لهم مولى يومئذ سواه ، وليس بهم إلا التطلع لما يجريه عليهم من قضاء ، وقد علموا أن ليس لهم من دونه ولي ولا نصير . . إن مجرد الظن بأنهم مبعوثون لذلك اليوم كان يكفي ليصدهم عن التطفيف ، وأكل أموال
الناس بالباطل ، واستخدام السلطان في ظلم الناس وبخسهم حقهم في التعامل . . ولكنهم ماضون في التطفيف كأنهم لا يظنون أنهم مبعوثون ! وهو أمر عجيب ، وشأن غريب !
وقوله : يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ فيوم يقوم تفسير عن اليوم الأوّل المخفوض ، ولكنه لما لم يعد عليه اللام ، ردّ إلى مبعوثون ، فكأنه قال : ألا يظنّ أولئك أنهم مبعوثون يوم يقوم الناس ؟ وقد يجوز نصبه وهو بمعنى الخفض ، لأنها إضافة غير محضة ، ولو خفض ردّا على اليوم الأوّل لم يكن لحنا ، ولو رفع جاز ، كما قال الشاعر :
وكُنْتُ كَذي رِجْلَينِ : رِجلٍ صَحِيحةٍ *** وَرِجْلٍ رَمى فِيها الزّمانُ فَشُلّتِ
وذُكر أن الناس يقومون لربّ العالمين يوم القيامة ، حتى يُلْجِمَهم العرق ، فبعض يقول : مقدار ثلاث مئة عام ، وبعض يقول : مقدار أربعين عاما . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ بن سعيد الكنديّ ، قال : حدثنا عيسى بن يونس ، عن ابن عون ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، في قوله : يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ قال : «يقوم أحدكم في رَشْحِه إلى أنصاف أذنيه » .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن ابن عون ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ قال : يغيب أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه .
حدثنا حميد بن مسعدة ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا ابن عون ، عن نافع ، قال : قال ابن عمر : يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ حتى يقوم أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا جرير ، عن محمد بن إسحاق ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «إنّ النّاسَ يُوقَفُونَ يَوْمَ الْقِيامَةِ لِعَظَمَةِ اللّهِ ، حتى إنّ الْعَرَقَ لَيُلْجِمُهُمْ إلى أنْصَافِ آذَانِهِمْ » .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول : «يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ يَوْمَ الْقِيامَةِ لِعَظَمَةِ الرّحْمَنِ » ، ثم ذكر مثله .
حدثني محمد بن خَلَف العَسقلاني ، قال : حدثنا آدم ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الاَية يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ قال : «يَقُومُونَ حتى يَبْلُغَ الرّشْحُ إلى أنْصَافِ آذانِهِمْ » .
حدثنا أحمد بن محمد بن حبيب ، قال : حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا أبي ، عن صالح ، قال : حدثنا نافع ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ » : «يَومَ الْقِيامَةِ ، حتى يَغِيبَ أحَدهُمُ إلى أنْصَافِ أُذُنَيْهِ فِي رَشْحِهِ » .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة بن سعيد ، عن محارب بن دِثار ، عن ابن عمر ، في قوله : يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعَالَمِينَ قال : يقومون مئة سنة .
حدثنا تميم بن المنتصر ، قال : أخبرنا يزيد ، قال : أخبرنا محمد بن إسحاق ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، قال : سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول : «يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ يَوْمَ الْقِيامَةِ ، حّتى إنّ الْعَرَقَ لَيُلْجِمُ الرّجُلَ إلى أنْصَافِ أُذُنَيْهِ » .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، بنحوه .
حدثنا ابن المثنى وابن وكيع ، قالا : حدثنا يحيى ، عن عبد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ حتّى يَقُومَ أحَدُهُمْ فِي رَشْحِهِ إلى أنْصَافِ أُذُنَيْهِ » .
حدثني محمد بن إبراهيم السّلِيْميّ المعروف بابن صدران ، قال : حدثنا يعقوب بن إسحاق ، قال : حدثنا عبد السلام بن عجلان ، قال : حدثنا يزيد المدني ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبشير الغِفَاريّ : «كَيْفَ أنْتَ صَانِعٌ فِي يَوْمٍ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ مِقْدَارَ ثَلاثِ مِئَةِ سَنَةٍ مِنْ أيّامِ الدّنيْا ، لا يأتِيهِمْ خَبرٌ مِنَ السّماءِ ، وَلا يُؤْمَرُ فِيهِمْ بأمْرٍ ؟ » قال بشير : المستعان الله يا رسول الله ، قال : «إذَا أنْتَ أوَيْتَ إلى فِرَاشِكَ فَتَعَوّذْ باللّهِ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيامَةِ ، وَسُوءِ الْحِسابِ » .
حدثني يحيى بن طلحة اليربوعيّ ، قال : حدثنا شريك ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن عبد الله بن مسعود في قوله : يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ قال : يمكثون أربعين عاما رافعي رؤوسهم إلى السماء ، لا يكلمهم أحد ، قد ألجم العرق كلّ برّ وفاجر ، قال : فينادي منادٍ : أليس عدلاً من ربكم أن خلقكم ثم صوّركم ، ثم رزقكم ، ثم توليتم غيره ، أن يولّي كلّ عبد منكم ما تولى في الدنيا ؟ قالوا : بلى . ثم ذكر الحديث بطوله .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا أبو بكر ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن قيس بن سكْن ، قال : حدث عبد الله ، وهو عند عمر يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ قال : إذا كان يوم القيامة يقوم الناس بين يدي ربّ العالمين أربعين عاما ، شاخصة أبصارهم إلى السماء ، حفاة عراة يلجمهم العرق ، ولا يكلّمهم بشر أربعين عاما ، ثم ذكر نحوه .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ العالَمِينَ قال : ذُكر لنا أن كعبا كان يقول : يقومون ثلاث مئة سنة .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران وسعيد ، عن قتادة يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ قال : كان كعب يقول : يقومون مقدار ثلاث مئة سنة .
قال : قتادة : وحدثنا العلاء بن زياد العدويّ ، قال : بلغني أن يوم القيامة يَقْصُر على المؤمن ، حتى يكون كإحدى صلاته المكتوبة .
قال : ثنا مهران ، قال : حدثنا العمريّ ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول : «يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ قال : «يَقُومُ الرّجُلُ فِي رَشْحِهِ إلى أنْصافِ أُذُنَيهِ » .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، عن ابن عون ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ حتى يقوم أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه .
قال يعقوب ، قال إسماعيل : قلت لابن عون : ذكر النبيّ صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ؟ قال : نَعَمْ إنْ شاءَ اللّهُ .
حدثنا أحمد بن عبد الرحمن ، قال : ثني عمي ، قال : أخبرني مالك بن أنس ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ ، حتى إنّ أحَدَهُمْ لَيَغِيبُ فِي رَشْحِهِ إلى نِصْفِ أُذُنَيْهِ » .
وقيام الناس فيه { لرب العالمين } يختلف الناس فيه بحسب منازلهم ، فروى عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
«يقام فيه خمسين ألف سنة{[11677]} » . وهذا بتقدير شدته ، وقيل : ثلاثمائة سنة ، قاله النبي صلى الله عليه وسلم ، {[11678]} وقال ابن عمر : مائة سنة وقيل ثمانون سنة ، وقال ابن مسعود أربعون سنة رافعي رؤوسهم إلى السماء لا يؤمرون ولا يكلمون ، وقيل غير هذا ، ومن هذا كله آثار مروية ومعناها : إن لكل قوم مدة ما تقتضي حالهم وشدة أمرهم ذلك ، وروي أن القيام فيه على المؤمن على قدر ما بين الظهر إلى العصر ، وروي عن بعض الناس : على قدر صلاة ، وفي هذا القيام هو إلجام العرق للناس ، وهو أيضاً مختلف ، ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق عقبة بن عامر : «أنه يلجم الكافر إلجاماً {[11679]} » ويروى أن بعض الناس يكون فيه إلى أنصاف ساقيه وبعضهم إلى فوق ، وبعضهم إلى أسفل{[11680]} .
و { يوم يقوم الناس لرب العالمين } بدل من « يوم عظيم » بدلاً مطابقاً وفتحته فتحة بناء مثل ما تقدم في قوله تعالى : { يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً } في سورة الانفطار ( 19 ) على قراءة الجمهور ذلك بالفتح .
ومعنى { يقوم الناس } أنهم يكونون قياماً ، فالتعبير بالمضارع لاستحضار الحالة .
واللام في { لرب العالمين } للأجل ، أي لأجل ربوبيته وتلقي حكمه .
والتعبير عن الله تعالى بوصف « رب العالمين » لاستحضار عظمته بأنه مالك أصناف المخلوقات .
واللام في { العالمين } للاستغراق كما تقدم في سورة الفاتحة .
قال في « الكشاف » « وفي هذا الإِنكار ، والتعجيب ، وكلمة الظن ، ووصف اليوم بالعظيم ، وقيام الناس فيه لله خاضعين ، ووصف ذاته ب« رب العالمين » بيان بليغ لعظيم الذنب وتفاقم الإِثم في التطفيف وفيما كان مثل حالهِ من الحيف وترك القيام بالقسط والعمل على السوية » اه .
ولما كان الحامل لهم على التطفيف احتقارهم أهل الجَلب من أهل البوادي فلا يقيمون لهم ما هو شعار العدل والمساواة ، كان التطفيف لذلك منبئاً عن إثم احتقار الحقوق ، وذلك قد صار خلقاً لهم حتى تخلقوا بمكابرة دعاة الحق ، وقد أشار إلى هذا التنويه به قوله تعالى : { والسماء رفعها ووضع الميزان أن لا تطغوا في الميزان وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان } [ الرحمن : 7 9 ] وقولُه حكاية عن شعيب : { وزنوا بالقسطاس المستقيم ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين } [ الشعراء : 182 ، 183 ] .