معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{لِلۡفُقَرَآءِ ٱلۡمُهَٰجِرِينَ ٱلَّذِينَ أُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَأَمۡوَٰلِهِمۡ يَبۡتَغُونَ فَضۡلٗا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٗا وَيَنصُرُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓۚ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلصَّـٰدِقُونَ} (8)

ثم بين من له الحق في الفيء فقال :{ للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً } رزقاً { من الله ورضواناً } أي خرجوا إلى دار الهجرة طلباً لرضا الله عز وجل ، { وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون } في إيمانهم . قال قتادة : هؤلاء المهاجرون الذين تركوا الديار والأموال والعشائر وخرجوا حباً لله ولرسوله ، واختاروا الإسلام على ما كانوا فيه من شدة ، حتى ذكر لنا أن الرجل كان يعصب الحجر على بطنه ليقيم به صلبه من الجوع ، وكان الرجل يتخذ الحفيرة في الشتاء ما له دثار غيرها .

أخبرنا محمد بن الحسن المروزي ، أنبأنا أبو العباس الطحان ، أنبأنا أبو أحمد ابن محمد بن قريش بن سليمان ، أنبأنا علي بن عبد العزيز المكي ، أنبأنا أبو عبيد القاسم ابن سلام ، حدثني عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن أبي إسحاق عن أمية ابن خالد بن عبد الله بن أسيد عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه كان يستفتح بصعاليك المهاجرين . قال أبو عبيد : هكذا قال عبد الرحمن وهو عندي أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد . وروينا عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( أبشروا يا معشر صعاليك المهاجرين بالنور التام يوم القيامة ، تدخلون الجنة قبل أغنياء الناس بنصف يوم ، وذلك مقدار خمسمائة سنة ) .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{لِلۡفُقَرَآءِ ٱلۡمُهَٰجِرِينَ ٱلَّذِينَ أُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَأَمۡوَٰلِهِمۡ يَبۡتَغُونَ فَضۡلٗا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٗا وَيَنصُرُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓۚ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلصَّـٰدِقُونَ} (8)

ثم ذكر تعالى الحكمة والسبب الموجب لجعله تعالى الأموال أموال الفيء لمن قدرها له ، وأنهم حقيقون بالإعانة ، مستحقون لأن تجعل لهم ، وأنهم ما بين مهاجرين قد هجروا المحبوبات والمألوفات ، من الديار والأوطان والأحباب والخلان والأموال ، رغبة في الله ونصرة لدين الله ، ومحبة لرسول الله ، فهؤلاء هم الصادقون الذين عملوا بمقتضى إيمانهم ، وصدقوا إيمانهم بأعمالهم الصالحة والعبادات الشاقة ، بخلاف من ادعى الإيمان وهو لم يصدقه بالجهاد والهجرة وغيرهما من العبادات ، وبين أنصار وهم الأوس والخزرج الذين آمنوا بالله ورسوله طوعا ومحبة واختيارا ، وآووا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومنعوه من الأحمر والأسود .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لِلۡفُقَرَآءِ ٱلۡمُهَٰجِرِينَ ٱلَّذِينَ أُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَأَمۡوَٰلِهِمۡ يَبۡتَغُونَ فَضۡلٗا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٗا وَيَنصُرُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓۚ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلصَّـٰدِقُونَ} (8)

6

ولكن القرآن لا يذكر الأحكام جافة مجردة ، إنما يوردها في جو حي يتجاوب فيه الأحياء . ومن ثم أحاط كل طائفة من هذه الطوائف الثلاث بصفاتها الواقعية الحية التي تصور طبيعتها وحقيقتها ؛ وتقرر الحكم حيا يتعامل مع هؤلاء الأحياء :

( للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا ، وينصرون الله ورسوله ، أولئك هم الصادقون ) . .

وهي صورة صادقة تبرز فيها أهم الملامح المميزة للمهاجرين . . أخرجوا إخراجا من ديارهم وأموالهم . أكرههم على الخروج الأذى والاضطهاد والتنكر من قرابتهم وعشيرتهم في مكة . لا لذنب إلا أن يقولوا ربنا الله . . . وقد خرجوا تاركين ديارهم وأموالهم ( يبتغون فضلا من الله ورضوانا )اعتمادهم على الله في فضله ورضوانه . لا ملجأ لهم سواه ، ولا جناب لهم إلا حماه . . وهم مع أنهم مطاردون قليلون ( ينصرون الله ورسوله ) . . بقلوبهم وسيوفهم في أحرج الساعات وأضيق الأوقات . ( أولئك هم الصادقون ) . . الذين قالوا كلمة الإيمان بألسنتهم ، وصدقوها بعملهم . وكانوا صادقين مع الله في أنهم اختاروه . وصادقين مع رسوله في أنهم اتبعوه . وصادقين مع الحق في أنهم كانوا صورة منه تدب على الأرض ويراها الناس !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{لِلۡفُقَرَآءِ ٱلۡمُهَٰجِرِينَ ٱلَّذِينَ أُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَأَمۡوَٰلِهِمۡ يَبۡتَغُونَ فَضۡلٗا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٗا وَيَنصُرُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓۚ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلصَّـٰدِقُونَ} (8)

القول في تأويل قوله تعالى : { لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ الّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مّنَ اللّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلََئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ } .

يقول تعالى ذكره : كيلا يكون ما أفاء الله على رسوله دُولة بين الأغنياء منكم ، ولكن يكون للفقراء المهاجرين . وقيل : عُني بالمهاجرين : مهاجرة قريش .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ما أفاءَ اللّهُ على رَسُولِهِ من قريظة جعلها لمهاجرة قريش .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد بن جُبَير ، وسعيد بن عبد الرحمن بن أبزى ، قالا : كان ناس من المهاجرين لأحدهم الدار والزوجة والعبد والناقة يحجّ عليها ويغزو ، فنسبهم الله إلى أنهم فقراء ، وجعل لهم سهما في الزكاة .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله للْفُقَراءِ المُهاجِرِينَ الّذِينَ أُخُرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ . . . إلى قوله أولَئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ قال : هؤلاء المهاجرون تركوا الديار والأموال والأهلين والعشائر ، خرجوا حبا لله ولرسوله ، واختاروا الإسلام على ما فيه من الشدّة ، حتى لقد ذكر لنا أن الرجل كان يعصب الحجر على بطنه ليقيم به صلبه من الجوع ، وكان الرجل يتخذ الحفيرة في الشتاء ماله دثار غيرها .

وقوله : { الّذِينَ أخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وأمْوَالِهِمْ } ، وقوله : { يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللّهِ وَرِضْوَانا }موضع يبتغون نصب ، لأنه في موضع الحال وقوله : { وَيَنْصُرُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ } يقول : وينصرون دين الله الذي بعث به رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم . وقوله : { أولَئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ }يقول : هؤلاء الذين وصف صفتهم من الفقراء المهاجرين هم الصادقون فيما يقولون .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لِلۡفُقَرَآءِ ٱلۡمُهَٰجِرِينَ ٱلَّذِينَ أُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَأَمۡوَٰلِهِمۡ يَبۡتَغُونَ فَضۡلٗا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٗا وَيَنصُرُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓۚ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلصَّـٰدِقُونَ} (8)

وقوله تعالى : { للفقراء المهاجرين } بيان لقوله : { والمساكين وابن السبيل } فكرر لام الجر لما كانت الأولى مجرورة باللام ليبين أن البدل إنما هو منها ، ثم وصفهم تعالى بالصفة التي تقتضي فقرهم وتوجب الإشفاق عليهم وهي إخراجهم من ديارهم وأموالهم ، وجميع المهاجرين إما أخرجهم الكفار وإما أحوال الكفار وظهورهم ، وفرض الهجرة في ذلك الوقت ، ووصفهم بالفقر وإن كان لهم بعض أحوال وهي حال للفقر في اللغة ، وقد مضى بيان هذا في سورة الكهف .

وقوله { يبتغون } في موضع الحال ، و «الفضل والرضوان » يراد به الآخرة والجنة ، و «نصر الله » تعالى هو نصر شرعه ونبيه ، و { الصادقون } في هذه الآية يجمع صدق اللسان وصدق الأفعال ، لأن أفعالهم في أمر هجرتهم إنما كانت وفق أقوالهم .