الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{لِلۡفُقَرَآءِ ٱلۡمُهَٰجِرِينَ ٱلَّذِينَ أُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَأَمۡوَٰلِهِمۡ يَبۡتَغُونَ فَضۡلٗا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٗا وَيَنصُرُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓۚ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلصَّـٰدِقُونَ} (8)

قوله : { لِلْفُقَرَآءِ } : فيه ثلاثةُ أوجهٍ ، أحدُها : أنه بدلٌ مِنْ " لذي القُرْبى " قاله أبو البقاء والزمخشري . قال أبو البقاء : " قيل هو بدلٌ مِنْ " لذي القُربى " وما بعده " وقال الزمخشري : " بدلٌ مِنْ قوله " ولذي القُربى " وما عُطِف عليه . والذي مَنَعَ الإِبدالَ مِنْ " لله وللرسول " والمعطوفِ عليهما وإنْ كان المعنى لرسول الله أن اللّهَ عزَّ وجلَّ أخرجَ رسوله من الفقراءِ في قولِه : { وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } وأنه تعالى يترفَّعُ برسوله عن تسميته بالفقير ، وأنَّ الإِبدالَ على ظاهرِ اللفظ من خلافِ الواجب في تعظيمِ اللهِ عزَّ وجلَّ " يعني لو قيل : بأنَّه بَدَلٌ مِنْ " لله " وما بعدَه لَزِمَ فيه ما ذُكِرَ : مِنْ أنَّ البدلَ على ظاهرِ اللفظِ يكونُ من الجلالةِ فيُقال : " للفقراء " بدلٌ مِنْ " لله " ومِنْ " رسولِه " وهو قبيحٌ لفظاٌ ، وإن كان المعنى على خلافِ هذا الظاهرِ ، كما قال : إن معناه لرسولِ الله ، وإنما ذُكر اللهُ عزَّ وجلَّ تفخيماً ، وإلاَّ فاللهُ تعالى غنيٌّ عن الفَيْءِ وغيره ، وإنما جعله بدلاً مِنْ " لذي القُرْبى " لأنه حنفيٌّ ، والحنفية يشترطون الفقرَ في إعطاءِ ذوي القُربى مِنَ الفَيْءِ .

الثاني : أنه بيانٌ لقولِه { وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ } وكُرِّرتُ لامُ الجر لَمَّا كانت الأُولى مجرورةً باللام ؛ ليُبَيِّنَ أنَّ البدلَ إنما هو منها ، قاله ابنُ عطية ، وهي عبارةٌ قَلِقَةٌ جداً . الثالث : أن " للفقراء " خبرٌ لمبتدأ محذوفٍ ، أي : ولكنَّ الفَيْءَ للفقراء . وقيل : تقديرُه : ولكن يكونُ " للفقراء " . وقيل : تقديرُه : اعجَبوا للفقراء .

قوله : { يَبْتَغُونَ } يجوزُ أَنْ يكونَ حالاً . في صاحبِها قولان ، أحدهما : للفقراء . والثاني : واو " أُخْرِجوا " قالهما مكي .