قوله تعالى : { لِلْفُقَرَاءِ } فيه ثلاثة أوجه{[55918]} :
أحدها : أنه بدل من «لِذي القُربى » . قاله{[55919]} أبو البقاء والزمخشري{[55920]} .
قال أبو البقاء : «قيل : هو بدل من «لذي القُرْبى » وما بعده » .
[ وقال الزمخشري{[55921]} : بدل من «لذي القُرْبى » وما عطف عليه ]{[55922]} ، والذي منع الإبدال من «لله وللرسول » والمعطوف عليهما ، وإن كان المعنى لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله - عز وجل - أخرج رسوله صلى الله عليه وسلم من الفقراءِ في قوله : { وَيَنصُرُونَ الله وَرَسُولَهُ } وأن الله - تعالى - يترفع برسوله صلى الله عليه وسلم عن تسميته بالفقيرِ ، وأن الإبدال على ظاهر اللفظ من خلاف الواجب في تعظيم الله عز وجل .
يعني أنه لو قيل : بأنه بدل من «الله ورسوله » صلى الله عليه وسلم وهو قبيح لفظاً ، وإن كان المعنى على خلاف هذا الظاهر كما قيل : إن معناه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما ذكر الله - عز وجل - تفخيماً ، وإلا فالله - تعالى - غني عن الفيء وغيره ، وإنما جعله بدلاً من «لذي القُربى » ؛ لأنه حنفي ، والحنفية يشترطون الفقر في إعطاء ذوي القربى من الفيءِ{[55923]} .
الثاني : أنه بيان لقوله تعالى : { والمساكين وابن السبيل } ، وكررت لام الجر لما كانت الأولى مجرورة ب «اللام » ليبين أنَّ البدل إنما هو منها . قاله ابن عطية{[55924]} .
الثالث : أن «للفقراء » خبر لمبتدأ محذوف ، أي : ولكن الفيء للفقراء .
وقيل : تقديره : ولكن يكون للفقراء ، وقيل : اعجبوا للفقراء .
قوله «يبتغون » يجوز أن يكون حالاً ، وفي صاحبها وجهان{[55925]} :
والثاني : «واو » أخرجوا . قالهما مكي{[55926]} .
ومعنى الآية أن الفيء والغنائم للفقراء والمهاجرين{[55927]} .
وقيل : { كي لا يكون دولة بين الأغنياء } ولكن يكون «للفقراء » وهو مبني على الإعراب المتقدم ، وعلى القول بأنه بيان لذوي القربى ، «واليتامى والمساكين » أي : المال لهؤلاء ؛ لأنهم فقراء ومهاجرون ، وقد أخرجوا من ديارهم فهم أحق الناس به .
وقيل : { ولكن الله يُسَلِّطُ رُسُلَهُ على مَن يَشَاءُ } للفقراء المهاجرين كي لا يكون المال دولة بين الأغنياء مهاجرين من بني الدنيا .
وقيل : والله شديدُ العقاب للفقراء المهاجرين ، أي : شديد العقاب للكافر بسبب الفقراء المهاجرين ومن أجلهم ، ودخل في هؤلاء الفقراء المتقدم ذكرهم في قوله تعالى : { وَلِذِي القربى واليتامى } .
قال القرطبي{[55928]} : «وقيل : هو عطف على ما مضى ، ولم يأت بواو العطف كقولك : هذا المال لزيد لبكر لفلان .
و«المهاجرون » : من هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم حبًّا فيه ونُصرةً له » .
وقال قتادة : هؤلاء المهاجرين الذين تركوا الدِّيار والأموال والأهلين والأوطان حبًّا لله - عز وجل - ولرسوله صلى الله عليه وسلم حتَّى إن الرجل منهم كان يَعْصِبُ على بطنه ليقيم به صلبه من الجوع ، وكان الرجل يتخذ الحفيرة في الشتاء ما له دثار غيرها{[55929]} .
قوله تعالى : { الذين أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ } أي : أخرجهم كفار «مكة » ، أي : أحوجوهم إلى الخروج ، وكانوا مائة رجل «يَبْتَغُونَ » أي : يطلبون { فَضْلاً مِّنَ الله } : أي غنيمة في الدنيا «ورضْوَاناً » في الآخرة أي : مرضاة ربهم { وَيَنصُرُونَ الله وَرَسُولَهُ } في الجهاد { أولئك هُمُ الصادقون } في فعلهم ذلك{[55930]} .
وروي أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - خطب ب «الجابية » ، فقال : من أراد أن يسأل عن القرآن فليأت أبيَّ بن كعب ، ومن أراد أن يسأل عن الفرائض فليأت زيد بن ثابت ، ومَنْ أراد أن يسأل عن الفقهِ ، فليأت معاذ بن جبل ، ومن أراد أن يسأل عن المال فليأتني ، فإن الله - تعالى - جعلني له خازناً وقاسماً ، ألا وإنِّي بادٍ بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم فمعطيهنّ ، ثم بالمهاجرين الأولين أنا وأصحابي ، أخرجنا من «مكة » من ديارنا وأموالنا{[55931]} .
قوله : { أولئك هُمُ الصادقون } .
يعني : أنهم لما هجروا لذَّات الدنيا ، وتحملوا شدائدها لأجل الدِّين ظهر صدقهم في دينهم{[55932]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.