اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{لِلۡفُقَرَآءِ ٱلۡمُهَٰجِرِينَ ٱلَّذِينَ أُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَأَمۡوَٰلِهِمۡ يَبۡتَغُونَ فَضۡلٗا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٗا وَيَنصُرُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓۚ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلصَّـٰدِقُونَ} (8)

قوله تعالى : { لِلْفُقَرَاءِ } فيه ثلاثة أوجه{[55918]} :

أحدها : أنه بدل من «لِذي القُربى » . قاله{[55919]} أبو البقاء والزمخشري{[55920]} .

قال أبو البقاء : «قيل : هو بدل من «لذي القُرْبى » وما بعده » .

[ وقال الزمخشري{[55921]} : بدل من «لذي القُرْبى » وما عطف عليه ]{[55922]} ، والذي منع الإبدال من «لله وللرسول » والمعطوف عليهما ، وإن كان المعنى لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله - عز وجل - أخرج رسوله صلى الله عليه وسلم من الفقراءِ في قوله : { وَيَنصُرُونَ الله وَرَسُولَهُ } وأن الله - تعالى - يترفع برسوله صلى الله عليه وسلم عن تسميته بالفقيرِ ، وأن الإبدال على ظاهر اللفظ من خلاف الواجب في تعظيم الله عز وجل .

يعني أنه لو قيل : بأنه بدل من «الله ورسوله » صلى الله عليه وسلم وهو قبيح لفظاً ، وإن كان المعنى على خلاف هذا الظاهر كما قيل : إن معناه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما ذكر الله - عز وجل - تفخيماً ، وإلا فالله - تعالى - غني عن الفيء وغيره ، وإنما جعله بدلاً من «لذي القُربى » ؛ لأنه حنفي ، والحنفية يشترطون الفقر في إعطاء ذوي القربى من الفيءِ{[55923]} .

الثاني : أنه بيان لقوله تعالى : { والمساكين وابن السبيل } ، وكررت لام الجر لما كانت الأولى مجرورة ب «اللام » ليبين أنَّ البدل إنما هو منها . قاله ابن عطية{[55924]} .

وهي عبارة قلقةٌ جداً .

الثالث : أن «للفقراء » خبر لمبتدأ محذوف ، أي : ولكن الفيء للفقراء .

وقيل : تقديره : ولكن يكون للفقراء ، وقيل : اعجبوا للفقراء .

قوله «يبتغون » يجوز أن يكون حالاً ، وفي صاحبها وجهان{[55925]} :

أحدهما : للفقراء .

والثاني : «واو » أخرجوا . قالهما مكي{[55926]} .

فصل في معنى الآية :

ومعنى الآية أن الفيء والغنائم للفقراء والمهاجرين{[55927]} .

وقيل : { كي لا يكون دولة بين الأغنياء } ولكن يكون «للفقراء » وهو مبني على الإعراب المتقدم ، وعلى القول بأنه بيان لذوي القربى ، «واليتامى والمساكين » أي : المال لهؤلاء ؛ لأنهم فقراء ومهاجرون ، وقد أخرجوا من ديارهم فهم أحق الناس به .

وقيل : { ولكن الله يُسَلِّطُ رُسُلَهُ على مَن يَشَاءُ } للفقراء المهاجرين كي لا يكون المال دولة بين الأغنياء مهاجرين من بني الدنيا .

وقيل : والله شديدُ العقاب للفقراء المهاجرين ، أي : شديد العقاب للكافر بسبب الفقراء المهاجرين ومن أجلهم ، ودخل في هؤلاء الفقراء المتقدم ذكرهم في قوله تعالى : { وَلِذِي القربى واليتامى } .

قال القرطبي{[55928]} : «وقيل : هو عطف على ما مضى ، ولم يأت بواو العطف كقولك : هذا المال لزيد لبكر لفلان .

و«المهاجرون » : من هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم حبًّا فيه ونُصرةً له » .

وقال قتادة : هؤلاء المهاجرين الذين تركوا الدِّيار والأموال والأهلين والأوطان حبًّا لله - عز وجل - ولرسوله صلى الله عليه وسلم حتَّى إن الرجل منهم كان يَعْصِبُ على بطنه ليقيم به صلبه من الجوع ، وكان الرجل يتخذ الحفيرة في الشتاء ما له دثار غيرها{[55929]} .

قوله تعالى : { الذين أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ } أي : أخرجهم كفار «مكة » ، أي : أحوجوهم إلى الخروج ، وكانوا مائة رجل «يَبْتَغُونَ » أي : يطلبون { فَضْلاً مِّنَ الله } : أي غنيمة في الدنيا «ورضْوَاناً » في الآخرة أي : مرضاة ربهم { وَيَنصُرُونَ الله وَرَسُولَهُ } في الجهاد { أولئك هُمُ الصادقون } في فعلهم ذلك{[55930]} .

وروي أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - خطب ب «الجابية » ، فقال : من أراد أن يسأل عن القرآن فليأت أبيَّ بن كعب ، ومن أراد أن يسأل عن الفرائض فليأت زيد بن ثابت ، ومَنْ أراد أن يسأل عن الفقهِ ، فليأت معاذ بن جبل ، ومن أراد أن يسأل عن المال فليأتني ، فإن الله - تعالى - جعلني له خازناً وقاسماً ، ألا وإنِّي بادٍ بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم فمعطيهنّ ، ثم بالمهاجرين الأولين أنا وأصحابي ، أخرجنا من «مكة » من ديارنا وأموالنا{[55931]} .

قوله : { أولئك هُمُ الصادقون } .

يعني : أنهم لما هجروا لذَّات الدنيا ، وتحملوا شدائدها لأجل الدِّين ظهر صدقهم في دينهم{[55932]} .


[55918]:ينظر: الدر المصون 6/295.
[55919]:ينظر الإملاء 2/1215.
[55920]:الكشاف 4/503.
[55921]:الكشاف 4/503.
[55922]:سقط من: أ.
[55923]:وقال الشافعي رحمه الله: لهم خمس الخمس يستوي فيه غنيهم وفقيرهم، ويقسم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين، ويكون لبني هاشم وبني المطلب دون غيرهم، لقوله تعالى: {ولذي القربى}، من غير فصل بين الغني والفقير. ينظر: الهداية 2/148.
[55924]:ينظر: المحرر الوجيز 5/287.
[55925]:ينظر: الدر المصون 6/295.
[55926]:ينظر: المشكل 2/725.
[55927]:ينظر: القرطبي 18/14.
[55928]:ينظر: القرطبي 18/14.
[55929]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/288)، عن قتادة وعزاه إلى عبد بن حميد وابن المنذر.
[55930]:ينظر القرطبي 18/15.
[55931]:ذكره الماوردي في "تفسيره" (5/505)، عن علي بن رباح اللخمي عن عمر بن الخطاب.
[55932]:ينظر: الفخر الرازي 29/249.