السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{لِلۡفُقَرَآءِ ٱلۡمُهَٰجِرِينَ ٱلَّذِينَ أُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَأَمۡوَٰلِهِمۡ يَبۡتَغُونَ فَضۡلٗا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٗا وَيَنصُرُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓۚ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلصَّـٰدِقُونَ} (8)

وقوله تعالى : { للفقراء } أي : الذين كان الإنسان منهم يعصب الحجر على بطنه من الجوع ويتخذ الحفرة في الشتاء لتقيه البرد وماله دثار غيرها بدل من لذي القربى ، وما عطف عليه قاله الزمخشري . والذي منع الإبدال من لله وللرّسول والمعطوف عليهما وإن كان المعنى لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنّ الله تعالى أخرج رسوله صلى الله عليه وسلم من الفقراء في قوله تعالى : { وينصرون الله ورسوله } ولأنه تعالى يترفع برسوله صلى الله عليه وسلم عن تسميته بالفقير ، وقال غيره : إنه خبر لمبتدأ محذوف ، أي : ولكن الفيء للفقراء .

وقيل تقديره : ولكن يكون للفقراء ، وقيل تقديره : أعجبوا للفقراء ، واقتصر على هذا التقدير الجلال المحلى . وإنما جعله الزمخشري بدلاً من لذي القربى لأنه حنفي ، والحنفية يشترطون الفقر في إعطاء ذوي القربى من الفيء ، ولذا قال البيضاوي : ومن أعطى أغنياء ذوي القربى ، أي : كالشافعي خصص الإبدال بما بعده ، أو الفيء بفيء بني النضير ا . ه . أوانهم كانوا عند نزول الآية كذلك ، ثم خصص بالوصف بقوله تعالى : { المهاجرين } وقيد ذلك بقوله تعالى : { الذين أخرجوا من ديارهم } لأنّ الهجرة قد تطلق على من هجر أهل الكفر من غيره مفارقة الوطن وقوله تعالى : { وأموالهم } إشارة إلى أنّ المال لما كان يستره الإنسان كان كأنه ظرف له .

ولما كان طلب الدنيا من النقائص بين أنه إذا كان من الله لم يكن كذلك ، وأنه لا يكون فادحاً في الإخلاص فقال تعالى : { يبتغون } أي : اخرجوا حال كونهم يطلبون على وجه الاجتهاد ، وبين أنه لا يجب عليه سبحانه لأحد شيء بقوله تعالى : { فضلاً من الله } أي : الملك الأعظم الذي لا كفء له ، لأنه المختص بجميع صفات الكمال فيغنيهم بفضله عمن سواه { ورضوانا } بأن يوفقهم لما يرضيه عنهم ، ولا يجعل رغبتهم في العوض منه فادحاً في الإخلاص فيوصلهم إلى دار كرامته وقرأ شعبة بضم الراء ، والباقون بكسرها { وينصرون } أي : على سبيل التجديد والاستمرار { الله } أي : دين الملك الأعظم { ورسوله } الذي عظمته من عظمته بأنفسهم وأموالهم ليضمحل حزب الشيطان { أولئك } أي : العالو الرتبة في الأخلاق الفاضلة { هم الصادقون } أي : العريقون في هذا الوصف ، لأنّ مهاجرتهم لما ذكر وتركهم لما وصف دل على كمال صدقهم فيما ادعوه من الإيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم حيث نابذوا من عاداهما ، ووالوا أولياءهما وإن بعدت دارهم وشط مزارهم .