الآية 8 وقوله تعالى : { للفقراء المهاجرين } الآية ، وما ينسق عليه من قوله : { والذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم } [ الآية : 9 ] وقوله : { والذين جاءوا من بعدهم } [ الآية : 10 ] الآيات . ظاهر هذا يقتضى إيجاب حق لهم ، لأنه إذا قيل لفلان ، لم يكن بد من أن يقال : كذا وكذا . وإذا كان كذلك لم يكن بد من حق يذكر لهم ، ولا يحتمل أيضا أن يخفي الله تعالى علم ذلك الحق الذي أوجب لهذه الأصناف عن خلقه ، فالسبيل في ذلك من جهة التأويل عندنا ، والله أعلم
ثم يحتمل أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن جواب : لمن ؟ فقال{[20910]} : { للفقراء المهاجرين } .
ويحتمل أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم سأل ربه ، جل ، وعلا ، [ عن ]{[20911]} جوابه : لمن ؟ فأخبر { للفقراء المهاجرين } .
ثم إنه يجوز أن يكون ذلك الحق ما وظف من الخراج على أهل القرية إذا فتحت ، وهو ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال لعلي وابن مسعود رضي الله عنهما حين فتح سواد الكوفة : إني [ كنت سأستشيركم ]{[20912]} في أمر قد أغناني الله تعالى عن مشورتكم حين تلوت هذه الآية ، ثم تلا قوله تعالى : { للفقراء المهاجرين } ثم قال : لهؤلاء خاصة ، وتلا قوله تعالى : { والذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم } ثم قال : ليس هؤلاء خاصة ، وتلا قوله تعالى : { والذين جاءوا من بعدهم }
وروي أن بلالا قال له : اقسم بيننا كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر بين أهل العسكر ، وقال : اللهم اكفني بلالا وأهله . ثم قال عمر رضي الله عنه : لو قسمتها بينكم لتركت آخر عصابة في الإسلام لم تصب من هذه .
وأخبر الله تعالى [ رسوله ]{[20913]} بقوله : { والذين جاءوا من بعدهم } أنهم شركاء هؤلاء .
فجائز أن يكون عمر رضي الله عنه حين تلا هذه الآيات تذكر خبرا أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعلم{[20914]} أن الحق الذي أوجب الله تعالى لهؤلاء ذلك .
أو يجوز أن يكون الله تعالى بلطفه ألهمه وعليا وابن مسعود رضي الله عنه لأنه روي أنهما أشارا عليه بذلك .
ولذلك قال أصحابنا : إن الإمام إذا فتح قرية من قرى أهل الحرب ، فهو فيها بالخيار ؛ إن شاء قسمها بين أهلها ، ووظف عليهم الخراج ، وإن شاء قسمها بين أهل العسكر . وإنما كان ذلك لأن المقصود من المقاتلة أحد معنيين .
إما توسيع أمكنة الإسلام [ خوفا ]{[20915]} أن تضيق [ وإما تضييق ]{[20916]} المكان بهم [ ليستسلم أهل القرى ]{[20917]} لدين الله ، وينقادوا لأمره{[20918]} ، وينظروا في حججه [ فلا تصير ]{[20919]} مقاتلتهم عقوبة لكفرهم{[20920]} ، بل لما وصفنا من المعنى ، وهذا المعنى قد يستفاد إذا وظف{[20921]} عليهم الخراج .
ولو فهم بلال رضي الله عنه المعنى الذي لأجله{[20922]} قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر بينهم لم يقس أمر سواد الكوفة عليه .
والمعنى من قسمته عليه السلام خيبر بينهم عندنا ، والله أعلم ، هو أن المسلمين لما صدوا عن الحديبية بشرهم الله بفتح قريب عوضا عما نالهم في ما أصابهم .
وأما سواد الكوفة فلم يكن فيها شيء من هذا المعنى ، فلم يجز أن يكون أمره مقيسا عليه ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { للفقراء المهاجرين } يحتمل أن يكون المراد منه المجاهدين المقاطعين لأسباب عيشهم من الأموال والديار ، أي لهم هذا الحق الذي سبق وصفه .
وقوله تعالى : { الذين أخرجوا من ديارهم } لم يخرجوهم من ديارهم في الحقيقة ، ولكنهم ضيقوا عليهم حتى خرجوا ، فإذن أضيف الإخراج [ إليهم إذ ]{[20923]} كانوا أسبابا في خروجهم . وهذا كقوله تعالى : { فأخرجهما مما كانا فيه }[ البقرة : 36 ] .
فإبليس لم يتول إخراجهما من الجنة ، ولكنه حرّضهما على سبب خروجهما{[20924]} ، فلم يستقرا بعده في ذلك المكان ، فأضيف الفعل إليه .
وقد وصفنا هذه الأفعال إذا أضيفت إلى العبادة فإنما المعنى : ذلك بأسباب{[20925]} تكون منهم ، لا حقيقة تلك الأفعال .
وما أضيف إلى الله تعالى من ذلك فهو يحتمل الأمرين جميعا : الحقيقة والسبب في ذلك ؛ لأجل أن العبد لا يمكنه أن يقدر آخر على فعل في وقت فعله إلا على السبب ، فأما رب العالمين فإنه قادر على إقدار العبد على فعل وقت فعله ، فلذلك قلنا : إنه يجوز أن تراد حقيقة الفعل في ما يضاف إلى الله تعالى ، وهو الموفق .
وقوله تعالى : { من ديارهم وأموالهم } يدل على أنها كانت لهم بمكة ديار وأموال ثم مع هذا لم يرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم / 560- ب / رد شيء من ديارهم عليهم بعد فتح مكة ، ولا تضمين أولئك شيئا من أموالهم ليعلم أن أهل الحرب إذا غلبوا على أموال المسلمين ملكوها ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { يبتغون فضلا من الله } يعني أنهم هاجروا لدينهم ، وانقطعوا عن أسباب عيشهم من الأموال يبتغون الرزق من الله تعالى .
وقوله تعالى : { وينصرون الله ورسوله } دل أن هذا للمجاهدين منهم .
وقوله تعالى : { وينصرون الله } يحتمل وجهين :
أحدهما : ينصرون رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر { الله } صلة .
والثاني : ينصرون دين الله ، ويطيعون رسوله عليه السلام .
وقوله تعالى : { أولئك هم الصادقون } يعني الذين أظهروا صدق الإيمان من قلوبهم بهجرتهم وسعيهم إلى ما يزلفهم إلى الله تعالى ، ويقربهم{[20926]} إليه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.