تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{لِلۡفُقَرَآءِ ٱلۡمُهَٰجِرِينَ ٱلَّذِينَ أُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَأَمۡوَٰلِهِمۡ يَبۡتَغُونَ فَضۡلٗا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٗا وَيَنصُرُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓۚ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلصَّـٰدِقُونَ} (8)

الآية 8 وقوله تعالى : { للفقراء المهاجرين } الآية ، وما ينسق عليه من قوله : { والذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم } [ الآية : 9 ] وقوله : { والذين جاءوا من بعدهم } [ الآية : 10 ] الآيات . ظاهر هذا يقتضى إيجاب حق لهم ، لأنه إذا قيل لفلان ، لم يكن بد من أن يقال : كذا وكذا . وإذا كان كذلك لم يكن بد من حق يذكر لهم ، ولا يحتمل أيضا أن يخفي الله تعالى علم ذلك الحق الذي أوجب لهذه الأصناف عن خلقه ، فالسبيل في ذلك من جهة التأويل عندنا ، والله أعلم

ثم يحتمل أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن جواب : لمن ؟ فقال{[20910]} : { للفقراء المهاجرين } .

ويحتمل أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم سأل ربه ، جل ، وعلا ، [ عن ]{[20911]} جوابه : لمن ؟ فأخبر { للفقراء المهاجرين } .

ثم إنه يجوز أن يكون ذلك الحق ما وظف من الخراج على أهل القرية إذا فتحت ، وهو ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال لعلي وابن مسعود رضي الله عنهما حين فتح سواد الكوفة : إني [ كنت سأستشيركم ]{[20912]} في أمر قد أغناني الله تعالى عن مشورتكم حين تلوت هذه الآية ، ثم تلا قوله تعالى : { للفقراء المهاجرين } ثم قال : لهؤلاء خاصة ، وتلا قوله تعالى : { والذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم } ثم قال : ليس هؤلاء خاصة ، وتلا قوله تعالى : { والذين جاءوا من بعدهم }

وروي أن بلالا قال له : اقسم بيننا كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر بين أهل العسكر ، وقال : اللهم اكفني بلالا وأهله . ثم قال عمر رضي الله عنه : لو قسمتها بينكم لتركت آخر عصابة في الإسلام لم تصب من هذه .

وأخبر الله تعالى [ رسوله ]{[20913]} بقوله : { والذين جاءوا من بعدهم } أنهم شركاء هؤلاء .

فجائز أن يكون عمر رضي الله عنه حين تلا هذه الآيات تذكر خبرا أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعلم{[20914]} أن الحق الذي أوجب الله تعالى لهؤلاء ذلك .

أو يجوز أن يكون الله تعالى بلطفه ألهمه وعليا وابن مسعود رضي الله عنه لأنه روي أنهما أشارا عليه بذلك .

ولذلك قال أصحابنا : إن الإمام إذا فتح قرية من قرى أهل الحرب ، فهو فيها بالخيار ؛ إن شاء قسمها بين أهلها ، ووظف عليهم الخراج ، وإن شاء قسمها بين أهل العسكر . وإنما كان ذلك لأن المقصود من المقاتلة أحد معنيين .

إما توسيع أمكنة الإسلام [ خوفا ]{[20915]} أن تضيق [ وإما تضييق ]{[20916]} المكان بهم [ ليستسلم أهل القرى ]{[20917]} لدين الله ، وينقادوا لأمره{[20918]} ، وينظروا في حججه [ فلا تصير ]{[20919]} مقاتلتهم عقوبة لكفرهم{[20920]} ، بل لما وصفنا من المعنى ، وهذا المعنى قد يستفاد إذا وظف{[20921]} عليهم الخراج .

ولو فهم بلال رضي الله عنه المعنى الذي لأجله{[20922]} قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر بينهم لم يقس أمر سواد الكوفة عليه .

والمعنى من قسمته عليه السلام خيبر بينهم عندنا ، والله أعلم ، هو أن المسلمين لما صدوا عن الحديبية بشرهم الله بفتح قريب عوضا عما نالهم في ما أصابهم .

وأما سواد الكوفة فلم يكن فيها شيء من هذا المعنى ، فلم يجز أن يكون أمره مقيسا عليه ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { للفقراء المهاجرين } يحتمل أن يكون المراد منه المجاهدين المقاطعين لأسباب عيشهم من الأموال والديار ، أي لهم هذا الحق الذي سبق وصفه .

وقوله تعالى : { الذين أخرجوا من ديارهم } لم يخرجوهم من ديارهم في الحقيقة ، ولكنهم ضيقوا عليهم حتى خرجوا ، فإذن أضيف الإخراج [ إليهم إذ ]{[20923]} كانوا أسبابا في خروجهم . وهذا كقوله تعالى : { فأخرجهما مما كانا فيه }[ البقرة : 36 ] .

فإبليس لم يتول إخراجهما من الجنة ، ولكنه حرّضهما على سبب خروجهما{[20924]} ، فلم يستقرا بعده في ذلك المكان ، فأضيف الفعل إليه .

وقد وصفنا هذه الأفعال إذا أضيفت إلى العبادة فإنما المعنى : ذلك بأسباب{[20925]} تكون منهم ، لا حقيقة تلك الأفعال .

وما أضيف إلى الله تعالى من ذلك فهو يحتمل الأمرين جميعا : الحقيقة والسبب في ذلك ؛ لأجل أن العبد لا يمكنه أن يقدر آخر على فعل في وقت فعله إلا على السبب ، فأما رب العالمين فإنه قادر على إقدار العبد على فعل وقت فعله ، فلذلك قلنا : إنه يجوز أن تراد حقيقة الفعل في ما يضاف إلى الله تعالى ، وهو الموفق .

وقوله تعالى : { من ديارهم وأموالهم } يدل على أنها كانت لهم بمكة ديار وأموال ثم مع هذا لم يرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم / 560- ب / رد شيء من ديارهم عليهم بعد فتح مكة ، ولا تضمين أولئك شيئا من أموالهم ليعلم أن أهل الحرب إذا غلبوا على أموال المسلمين ملكوها ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { يبتغون فضلا من الله } يعني أنهم هاجروا لدينهم ، وانقطعوا عن أسباب عيشهم من الأموال يبتغون الرزق من الله تعالى .

وقوله تعالى : { وينصرون الله ورسوله } دل أن هذا للمجاهدين منهم .

وقوله تعالى : { وينصرون الله } يحتمل وجهين :

أحدهما : ينصرون رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر { الله } صلة .

والثاني : ينصرون دين الله ، ويطيعون رسوله عليه السلام .

وقوله تعالى : { أولئك هم الصادقون } يعني الذين أظهروا صدق الإيمان من قلوبهم بهجرتهم وسعيهم إلى ما يزلفهم إلى الله تعالى ، ويقربهم{[20926]} إليه .


[20910]:في الأصل و م: قال.
[20911]:ساقطة من الأصل و م.
[20912]:في الأصل و م: أستشيريكم.
[20913]:ساقطة من الأصل و م.
[20914]:في الأصل و م: فيعلم.
[20915]:ساقطة من الأصل و م
[20916]:في الأصل و م: أو يضيق.
[20917]:في الأصل و م: ليستسلموا.
[20918]:في الأصل و م: الأمر.
[20919]:في الأصل و م: وليست.
[20920]:في الأصل و م: كفرهم.
[20921]:في الأصل و م: وظفت.
[20922]:في الأصل و م: لأجل.
[20923]:في الأصل وم: إذا
[20924]:في الأصل و م: إتيانه.
[20925]:الباء ساقطة من الأصل و م
[20926]:في الأصل و م: و يقرب.