فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{لِلۡفُقَرَآءِ ٱلۡمُهَٰجِرِينَ ٱلَّذِينَ أُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَأَمۡوَٰلِهِمۡ يَبۡتَغُونَ فَضۡلٗا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٗا وَيَنصُرُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓۚ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلصَّـٰدِقُونَ} (8)

" عن أبي رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا ألقين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه أمر مما أمرت به ، أو نهيت عنه فيقول : لا أدري ، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه " ، أخرجه أبو داود والترمذي وقال : هذا حديث حسن ، والأريكة كل ما اتكئ عليه من سرير أو فراش أو منصة أو نحو ذلك ، وفي الباب أحاديث ، ثم بين من له الحق في الفيء فقال :

{ للفقراء المهاجرون الذين أخرجوا مكن ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون ( 8 ) والذين تبوءو الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأوليك هم المفلحون ( 9 ) والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم ( 10 ) } .

{ للفقراء } قيل : بدل من لذي القربى وما عطف عليه ، قاله أبو البقاء ، ومقتضاه اشتراط الفقر فيه ، وهو مذهب الإمام أبي حنيفة ، ومن ثم جعله الزمخشري كذلك ، وأطال الكلام فيه ولا يصح أن يكون بدلا من الرسول وما بعده ، لئلا يستلزم وصف الرسول صلى الله عليه وسلم بالفقر ، وقيل : التقدير لكيلا يكون دولة ، ولكن يكون للفقراء وقيل : التقدير اعجبوا للفقراء ، وبه فسر المحلي ، وهو موافق لمذهب إمامه الشافعي وأصحابه من الاستحقاق بالقرابة ، ولم يشترط الحاجة ، فاشتراطها وعدم اعتبار القرابة يضاده ويخالفه ، ولن الآية نص في ثبوت الاستحقاق تشريفا لهم ، فمن علله بالحاجة فوت هذا المعنى والذي يؤيد تقدير فعل التعجب كما ذكره أبو البقاء وتبعه الكواشي مجيء قوله : { ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون } الآيات مصدرا بألم تر ، وهي كلمة تعجب ، لكون ذكرهم جاء قابلا لذكر أضدادهم ، وقيل : التقدير : والله شديد العقاب للفقراء ، أي للكفار بسبب الفقراء ، وقيل : هو عطف ما مضى بتقدير الواو كما تقول : المال لزيد لعمرو لبكر .

{ المهاجرون } أي الذين هاجروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رغبة في الدين ونصرة له ، قال قتادة : هؤلاء المهاجرون هم الذين تركوا الديار والأموال والأهلين كما قال تعالى : { الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم } أي حيث أخرجهم كفار مكة منها ، واضطروهم إلى الخروج وكانوا مائة رجل ، قال النسفي : وفيه دليل على أن الكفار يملكون بالاستيلاء أموال المسلمين ، لأن الله سمى المهاجرين فقراء مع انه كانت لهم ديار وأموال .

{ يبتغون فضلا من الله ورضوانا } أي حال كونهم يطلبون منه أن يتفضل عليهم بالرزق في الدنيا وبالرضوان في الآخرة { وينصرون الله ورسوله } بالجهاد للكفار بأنفسهم وأموالهم ، والمراد نصر دينه وإعلاء كلمته ، وهذا حال مقدر أي ناوين نصرتهما إذ وقت خروجهم لم تكن نصرة بالفعل .

{ أولئك } المتصفون بتلك الصفات { هم الصادقون } أي الكاملون في الصدق ، الراسخون فيه ، قال قتادة : هم المهاجرون الذين تركوا الديار والأموال والعشائر ، وخرجوا حبا لله ولرسوله ، واختاروا الإسلام على ما كانوا فيه من شدة ، حتى ذكر لنا أن الرجل كان يعصب الحجر على بطنه ليقيم به صلبه من الجوع ، وكان الرجل يتخذ الحفيرة في الشتاء ما له دثار غيرها ، وعن سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أبشروا صعاليك المهاجرين بالنور التام يوم القيامة ، يدخلون الجنة قبل أغنياء الناس بنصف يوم ، وذلك خمسمائة سنة ) أخرجه أبو داود .