معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ يُؤۡتَوۡنَ أَجۡرَهُم مَّرَّتَيۡنِ بِمَا صَبَرُواْ وَيَدۡرَءُونَ بِٱلۡحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ} (54)

قوله تعالى : { أولئك يؤتون أجرهم مرتين } لإيمانهم بالكتاب الأول وبالكتاب الآخر ، { بما صبروا } على دينهم . قال مجاهد : نزلت في قوم من أهل الكتاب أسلموا فأوذوا .

أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي ، أنبأنا أبو علي زاهر بن أحمد ، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن حفص الجويني ، أنبأنا أحمد بن سعيد الدرامي ، أنبأنا عثمان ، أنبأنا شعبة ، عن صالح ، عن الشعبي ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين : رجل كانت له جارية فأدبها فأحسن تأديبها ثم أعتقها وتزوجها ، ورجل من أهل الكتاب آمن بكتابه وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وعبد أحسن عبادة الله ونصح سيده " . قوله عز وجل : { ويدرؤون بالحسنة السيئة } قال ابن عباس رضي الله عنهما : يدفعون بشهادة أن لا إله إلا الله الشرك ، قال مقاتل : يدفعون ما سمعوا من الأذى والشتم من المشركين بالصفح والعفو والمغفرة { ومما رزقناهم ينفقون } في الطاعة .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ يُؤۡتَوۡنَ أَجۡرَهُم مَّرَّتَيۡنِ بِمَا صَبَرُواْ وَيَدۡرَءُونَ بِٱلۡحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ} (54)

{ أُولَئِكَ } الذين آمنوا بالكتابين { يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ } أجرا على الإيمان الأول ، وأجرا على الإيمان الثاني ، { بِمَا صَبَرُوا } على الإيمان ، وثبتوا على العمل ، فلم تزعزعهم{[607]}  عن ذلك شبهة ، ولا ثناهم عن الإيمان رياسة ولا شهوة .

و من خصالهم الفاضلة ، التي من آثار إيمانهم الصحيح ، أنهم { وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ } أي : دأبهم وطريقتهم الإحسان لكل أحد ، حتى للمسيء إليهم بالقول والفعل ، يقابلونه بالقول الحميد والفعل الجميل ، لعلمهم بفضيلة هذا الخلق العظيم ، وأنه لا يوفق له إلا ذو حظ عظيم .


[607]:- كذا في ب، وفي أ: يزعزعهم من.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ يُؤۡتَوۡنَ أَجۡرَهُم مَّرَّتَيۡنِ بِمَا صَبَرُواْ وَيَدۡرَءُونَ بِٱلۡحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ} (54)

44

هؤلاء الذين أسلموا لله من قبل ، ثم صدقوا بالقرآن بمجرد سماعه :

أؤلئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا . .

الصبر على الإسلام الخالص . إسلام القلب والوجه . ومغالبة الهوى والشهوة . والاستقامة على الدين في الأولى والآخرة . أولئك يؤتون أجرهم مرتين ، جزاء على ذلك الصبر ، وهو عسير على النفوس ، وأعسر الصبر ما كان على الهوى والشهوة والالتواء والانحراف . وهؤلاء صبروا عليها جميعا ، وصبروا على السخرية والإيذاء كما سبقت الرواية ، وكما يقع دائما للمستقيمين على دينهم في المجتمعات المنحرفة الضالة الجاهلة في كل زمان ومكان :

ويدرأون بالحسنة السيئة . .

وهذا هو الصبر كذلك . وهو أشد مؤنة من مجرد الصبر على الإيذاء والسخرية . إنه الاستعلاء على كبرياء النفس ، ورغبتها في دفع السخرية ، ورد الأذى ، والشفاء من الغيظ ، والبرد بالانتقام ! ثم درجة أخرى بعد ذلك كله . درجة السماحة الراضية . التي ترد القبيح بالجميل وتقابل الجاهل الساخر بالطمأنينة والهدوء وبالرحمة والإحسان ؛ وهو أفق من العظمة لا يبلغه إلا المؤمنون الذين يعاملون الله فيرضاهم ويرضونه ، فيلقون ما يلقون من الناس راضين مطمئنين .

( ومما رزقناهم ينفقون ) . .

وكأنما أراد أن يذكر سماحة نفوسهم بالمال ، عقب ذكره لسماحة نفوسهم بالإحسان . فهما من منبع واحد : منبع الاستعلاء على شهوة النفس ، والاعتزاز بما هو أكبر من قيم الأرض . الأولى في النفس ، والثانية في المال . وكثيرا ما يردان متلازمين في القرآن .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ يُؤۡتَوۡنَ أَجۡرَهُم مَّرَّتَيۡنِ بِمَا صَبَرُواْ وَيَدۡرَءُونَ بِٱلۡحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ} (54)

القول في تأويل قوله تعالى : { أُوْلََئِكَ يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مّرّتَيْنِ بِمَا صَبَرُواْ وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السّيّئَةَ وَمِمّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } .

يقول تعالى ذكره : هؤلاء الذين وصفت صفتهم ، يُؤْتَوْن ثواب عملهم مرّتين بما صبروا .

واختلف أهل التأويل في معنى الصبر الذي وعد الله ما وعد عليه ، فقال بعضهم : وعدهم ما وعد جلّ ثناؤه ، بصبرهم على الكتاب الأوّل ، واتباعهم محمدا صلى الله عليه وسلم ، وصبرهم على ذلك . وذلك قول قَتادة ، وقد ذكرناه قبل .

وقال آخرون : بل وعدهم بصبرهم بإيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث ، وباتباعهم إياه حين بعث . وذلك قول الضحاك بن مزاحم ، وقد ذكرناه أيضا قبل ، وممن وافق قَتادة على قوله عبد الرحمن بن زيد .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : إنّا كُنّا من قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ على دين عيسى ، فلما جاء النبيّ صلى الله عليه وسلم أسلموا ، فكان لهم أجرهم مرّتين : بما صبروا أوّل مرّة ، ودخلوا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم في الإسلام . وقال قوم في ذلك بما :

حدثنا به ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، قال : إن قوما كانوا مشركين أسلموا ، فكان قومهم يؤذونهم ، فنزلت أوْلئِكَ يُؤْتَوْنَ أجْرَهُمْ مَرّتَيْنِ بِمَا صَبرُوا وقوله وَيَدْرَءُونَ بالحَسَنَةِ السّيّئَةَ يقول : ويدفعون بحسنات أفعالهم التي يفعلونها سيئاتهم ومِمّا رَزَقْناهُمْ من الأموال يُنْفِقُونَ في طاعة الله ، إما في جهاد في سبيل الله ، وإما في صدقة على محتاج ، أو في صلة رَحِم .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله : وَإذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنّا بِهِ إنّهُ الحَقّ مِنْ رَبّنا ، إنّا كُنّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ قال الله : أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أجْرَهُمْ مَرّتَيْن بِمَا صَبرُوا وأحسن الله عليهم الثناء كما تسمعون ، فقال : وَيَدْرَءُونَ بالحَسَنَةِ السّيّئَةَ .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ يُؤۡتَوۡنَ أَجۡرَهُم مَّرَّتَيۡنِ بِمَا صَبَرُواْ وَيَدۡرَءُونَ بِٱلۡحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ} (54)

{ أولئك يؤتون أجرهم مرتين } مرة على إيمانهم بكتابهم ومرة على إيمانهم بالقرآن . { بما صبروا } بصبرهم وثباتهم على الإيمانين ، أو على الإيمان بالقرآن قبل النزول وبعده ، أو على أذى المشركين ومن هاجرهم من أهل دينهم . { ويدرءون بالحسنة السيئة } ويدفعون بالطاعة المعصية لقوله صلى الله عليه وسلم " أتبع السيئة الحسنة تمحها " { ومما رزقناهم ينفقون } في سبيل الخير .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ يُؤۡتَوۡنَ أَجۡرَهُم مَّرَّتَيۡنِ بِمَا صَبَرُواْ وَيَدۡرَءُونَ بِٱلۡحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ} (54)

و { أجرهم مرتين } معناه على ملتين وبحظوة شريعتين ، وهذا المعنى هو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ثلاثة يؤتيهم أجرهم مرتين : رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي ، والعبد الناصح في عبادة ربه وخدمة سيده ، ورجل كانت له أمة فأدبها وعلمها ثم أعتقها وتزوجها »{[9156]} وقوله تعالى : { بما صبروا } عام في صبرهم على ملتهم ثم على هذه وعلى الأذى الذي يلقونه من الكفار وغير ذلك من أنوع الصبر ، وقوله تعالى : { ويدرؤون } معناه يدفعون هذا وصف لمكارم الأخلاق ، أي : يتعاونون ، ومن قال لهم سوءاً لا َيُنوه وقابلوه من القول الحسن بما يدفعه ، وهذه آية مهادنة وهي في صدر الإسلام وهي مما نسخته آية السيف وبقي حكمها فيما دون الكفر يتعاطاها أمة محمد إلى يوم القيامة ، وقوله تعالى : { ومما رزقناهم ينفقون } مدح لهم بالنفقة في الطاعات وعلى رسم الشرع ، وفي ذلك حض على الصدقات ونحوها ، .


[9156]:أخرجه البخاري ومسلم، وأحمد والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وابن مردويه، والبيهقي، وذكره السيوطي في الدر المنثور، وقال الشعبي للخراساني: خذ هذا الحديث بغير شيء، فقد كان الرجل يرحل فيما دون هذا إلى المدينة. قال العلماء: لما كان كل واحد من هؤلاء مخاطبا بأمرين من جهتين استحق كل واحد منهم أجرين، فالكتابي كان مخاطبا من جهة نبيه، ثم إنه خوطب من جهة نبينا فأجابه واتبعه فله أجر الملتين، والعبد مأمور من جهة الله تعالى ومن جهة سيده، ورب الأمة لما قام بما خوطب به من تربية أمته وأدبها فقد أحياها إحياء التربية، ثم إنه لما أعتقها وتزوجها أحياها إحياء الحرية التي ألحقها فيه بمنصبه، فقد قام بما أمر فيها، فأجر كل واحد منهما أجرين، ولذلك قيل: إن العبد الذي يؤدي حق ربه وحق سيده أفضل من الحر، وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (للعبد المملوك المصلح أجران).