[ الآية 54 ] وقوله تعالى : { أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبرو } هذا يحتمل وجوها ثلاثة :
أحدهما : يؤتون أجرهم مرة بالإسلام ومرة بما صبروا على زوال الرئاسة منهم وذهابها ؛ لأنهم كانوا أهل رئاسة ومنزلة وقدر ، فذهب ذلك كله عنهم بالإسلام ، فلهم الأجر مرتين لذلك .
والثاني : { يؤتون أجرهم مرتين } مرة بالإسلام ، ومرة [ بما صبروا ، وجاهدوا في تقوية دين الله ، حتى ]{[15419]} صاروا قدوة وأئمة لمن بعدهم ، يقتدون بهم ؛ أحد الأجرين بإسلام أنفسهم ، والثاني بدعائهم غيرهم إليه ، على ما يعاقب الرؤساء منهم والقادة ، ويضاعف العذاب عليهم مرتين : مرة بضلال أنفسهم ومرة بإضلال غيرهم كقوله : { ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم } [ النحل : 25 ] .
[ والثالث ]{[15420]} : جائز أن يكون إيتاء الأجر مرتين [ مرة بالإسلام ومرة بما يصبرون حتى يصيروا ]{[15421]} أئمة وقدوة لغيرهم{[15422]} في الخير ، ويضاعف عليهم العذاب إذا صاروا أئمة وقدوة في الشر .
ألا ترى أنه قال في نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم : { يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين } ؟ [ الأحزاب : 30 ] وذلك ، والله أعلم ، بما يصرن هن أئمة لغيرهن يقتدين بهن . فعلى ذلك الأول .
وجائز أن يكون { يؤتون أجرهم مرتين } بالإسلام نفسه ، ويكون الصبر كناية عن الإيمان كقوله : { إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات } [ هود : 11 ] أي آمنوا ، وأسلموا .
وأما أهل التأويل فإنهم يقولون : { يؤتون أجرهم مرتين } مرة بإيمانهم بمحمد قبل أن يبعث ، ومرة بإيمانهم بعدما بعث . والأول أشبه . وقال بعضهم : { يؤتون أجرهم مرتين } مرة بإسلامهم ومرة بما صبروا وتحملوا{[15423]} أذى أولئك الكفرة ، ولم يكافئوهم ، بل خاطبوهم بخير [ حين قالوا ]{[15424]} : { لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين } [ القصص : 55 ] .
وروي في بعض الأخبار عن نبي الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين : رجل آمن بنبي ، ثم إذا بعث نبي آخر آمن به ، ومملوك لرجل يخدمه ، ويحسن خدمته ، ويعبد ربه ورجل ربى جاريته ، ثم أعتقها ، فتزوجها ) [ البخاري : 3011 ] .
وقوله تعالى : { ويدرءون بالحسنة السيئة } هذا يحتمل وجهين :
أحدهما : يحسنون إليهم بعد إساءتهم إليهم وأذاهم إياهم على ما كانوا يفعلون ، ويصنعون إليهم قبل ذلك .
والثاني : { ويدرءون بالحسنة السيئة } أي يعفون عن أذاهم ، ويكافئونهم ، فيكون كقوله : { خذ العفو وأمر بالعرف } الآية [ الأعراف : 199 ] .
والأول كقوله : { ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم } [ فصلت : 34 ] .
وقوله تعالى : { ومما رزقناهم ينفقون } أي ينفقون في حق الله وسبيل الخير . وإلا كل كافر ينفق كقوله : { مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم } الآية [ آل عمران : 117 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.