معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ظَهَرَ ٱلۡفَسَادُ فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ بِمَا كَسَبَتۡ أَيۡدِي ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعۡضَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ} (41)

قوله عز وجل :{ ظهر الفساد في البر والبحر } يعني : قحط المطر وقلة النبات ، وأراد بالبر البوادي والمفاوز ، وبالبحر المدائن والقرى التي هي على المياه الجارية . قال عكرمة : العرب تسمي المصر بحراً ، يقال : أجدب البر وانقطعت مادة البحر ، { بما كسبت أيدي الناس } أي : بشؤم ذنوبهم ، وقال عطية وغيره : البر ظهر الأرض الأمصار وغيرها ، والبحر هو البحر المعروف ، وقلة المطر كما تؤثر في البر تؤثر في البحر فتخلوا أجواف الأصداف لأن الصدف إذا جاء المطر يرتفع إلى وجه البحر ويفتح فاه فما يقع في فيه من المطر صار لؤلؤاً . وقال ابن عباس ، وعكرمة ، ومجاهد : الفساد في البر : قتل أحد بني آدم أخاه ، وفي البحر : غصب الملك الجائر السفينة . قال الضحاك : كانت الأرض خضرة مونقة لا يأتي ابن آدم شجرة إلا وجد عليها ثمرة ، وكان ماء البحر عذباً وكان لا يقصد الأسد البقر والغنم ، فلما قتل قابيل هابيل اقشعرت الأرض وشاكت الأشجار وصار ماء البحر ملحاً زعافاً وقصد الحيوان بعضها بعضاً . قال قتادة : هذا قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ، امتلأت الأرض ظلماً وضلالة ، فلما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم رجع راجعون من الناس بما كسبت أيدي الناس من المعاصي ، يعني كفار مكة . { ليذيقهم بعض الذي عملوا } أي : عقوبة بعض الذي عملوا من الذنوب ، { لعلهم يرجعون } عن الكفر وأعمالهم الخبيثة .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ظَهَرَ ٱلۡفَسَادُ فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ بِمَا كَسَبَتۡ أَيۡدِي ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعۡضَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ} (41)

{ 41 } { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }

أي : استعلن الفساد في البر والبحر أي : فساد معايشهم ونقصها وحلول الآفات بها ، وفي أنفسهم من الأمراض والوباء وغير ذلك ، وذلك بسبب ما قدمت أيديهم من الأعمال الفاسدة المفسدة بطبعها .

هذه المذكورة { لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا } أي : ليعلموا أنه المجازي على الأعمال فعجل لهم نموذجا من جزاء أعمالهم في الدنيا { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } عن أعمالهم التي أثرت لهم من الفساد ما أثرت ، فتصلح أحوالهم ويستقيم أمرهم . فسبحان من أنعم ببلائه وتفضل بعقوبته وإلا فلو أذاقهم جميع ما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ظَهَرَ ٱلۡفَسَادُ فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ بِمَا كَسَبَتۡ أَيۡدِي ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعۡضَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ} (41)

33

ثم يكشف لهم عن ارتباط أحوال الحياة وأوضاعها بأعمال الناس وكسبهم ؛ وأن فساد قلوب الناس وعقائدهم وأعمالهم يوقع في الأرض الفساد ، ويملؤها برا وبحرا بهذا الفساد ، ويجعله مسيطرا على أقدارها ، غالبا عليها :

( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ) . .

فظهور الفساد هكذا واستعلاؤه لا يتم عبثا ، ولا يقع مصادفة ؛ إنما هو تدبير الله وسنته . . ( ليذيقهم بعض الذي عملوا )من الشر والفساد ، حينما يكتوون بناره ، ويتألمون لما يصيبهم منه : ( لعلهم يرجعون )فيعزمون على مقاومة الفساد ، ويرجعون إلى الله وإلى العمل الصالح وإلى المنهج القويم .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ظَهَرَ ٱلۡفَسَادُ فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ بِمَا كَسَبَتۡ أَيۡدِي ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعۡضَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ} (41)

القول في تأويل قوله تعالى : { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الّذِي عَمِلُواْ لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ } .

يقول تعالى ذكره : ظهرت المعاصي في برّ الأرض وبحرها بكسب أيدي الناس ما نهاهم الله عنه .

واختلف أهل التأويل في المراد من قوله : ظَهَرَ الفَسادُ فِي البَرّ والبَحْرِ فقال بعضهم : عنى بالبَرّ : الفلوات ، وبالبحر : الأمصار والقُرى التي على المياه والأنهار . ذكر من قال ذلك : حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا عَثّام ، قال : حدثنا النضْر بن عربيّ ، عن مجاهد وَإذَا تَوَلّى سَعَى فِي الأرْض لِيُفْسِدَ فِيها . . . الاَية ، قال : إذا ولي سعى بالتعدّي والظلم ، فيحبس الله القطر ، ف يُهْلِكَ الحَرْثَ والنّسْلَ ، وَاللّهُ لا يُحِبّ الفَسادَ قال : ثم قرأ مجاهد : ظَهَرَ الفَسادُ فِي البَرّ والبَحْرِ . . . الاَية قال : ثم قال : أما والله ما هو بحرُكم هذا ، ولكن كل قرية على ماء جار فهو بحر .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن النضْر بن عربيّ ، عن عكرمة ظَهَرَ الفَسادُ فِي البَرّ والبَحْرِ قال : أَمَا إني لا أقول بحرُكم هذا ، ولكن كلّ قرية على ماء جار .

قال : ثنا يزيد بن هارون ، عن عمرو بن فَرّوخ ، عن حبيب بن الزبير ، عن عكرمة ظَهَرَ الفَسادُ فِي البَرّ والبَحْرِ قال : إن العرب تسمي الأمصار بحرا .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله ظَهَرَ الفَسادُ فِي البَرّ والبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أيْدِي النّاسِ قال : هذا قبل أن يَبعث الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم ، امتلأت ضلالة وظلما ، فلما بعث الله نبيه ، رجع راجعون من الناس .

قوله : ظَهَرَ الفَسادُ فِي البَرّ والبَحْرِ أما البرّ فأهل العمود ، وأما البحر فأهل القُرَى والريف .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله ظَهَرَ الفَسادُ فِي البَرّ والبَحْرِ قال : الذنوب ، وقرأ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الّذِي عَمِلُوا لَعلّهُمْ يَرْجِعُونَ .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو عامر ، قال : حدثنا قرة ، عن الحسن ، في قوله ظَهَرَ الفَسادُ فِي البَرّ والبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أيْدِي النّاسِ قال : أفسدهم الله بذنوبهم ، في بحر الأرض وبرها ، بأعمالهم الخبيثة .

وقال آخرون : بل عُنِي بالبرّ : ظهر الأرض ، الأمصار وغيرها ، وبالبحر البحر المعروف . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد ظَهَر الفَسادُ فِي البَرّ والبَحْرِ : قال : في البرّ : ابن آدم الذي قتل أخاه ، وفي البحر : الذي كان يأخذ كلّ سفينة غصبا .

حدثني يعقوب ، قال : قال أبو بشر : يعني ابن عُلَيّة ، قال : سمعت ابن أبي نجيح ، يقول في قوله ظَهَرَ الفَسادُ فِي البَرّ والبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أيْدِي النّاسِ قال : بقتل ابن آدم ، والذي كان يأخذ كل سفينة غصبا .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، عن فضيل بن مرْزوق ، عن عطية ظَهَرَ الفَسادُ فِي البَرّ والبَحْرِ قال : قلت : هذا البرّ والبحر أيّ فساد فيه ؟ قال : فقال : إذا قلّ المطر ، قل الغَوْص .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله ظَهَرَ الفَسادُ فِي البَرّ قال : قتل ابن آدم أخاه ، والبحر : قال : أخذ الملك السفن غَصْبا .

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب : أن الله تعالى ذكره ، أخبر أن الفساد قد ظهر في البرّ والبحر عند العرب في الأرض القفار ، والبحر بحران : بحر ملح ، وبحر عذب ، فهما جميعا عندهم بحر ، ولم يخصص جلّ ثناؤه الخبر عن ظهور ذلك في بحر دون بحر ، فذلك على ما وقع عليه اسم بحر ، عذبا كان أو ملحا . وإذا كان ذلك كذلك ، دخل القرى التي على الأنهار والبحار .

فتأويل الكلام إذن إذ كان الأمر كما وصفت ، ظهرت معاصي الله في كل مكان ، من برّ وبحر بِمَا كَسَبَتْ أيْدِي النّاسِ : أي بذنوب الناس ، وانتشر الظلم فيهما .

وقوله : ولِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الّذِي عَمِلُوا يقول جلّ ثناؤه : ليصيبهم بعقوبة بعض أعمالهم التي عملوا ، ومعصيتهم التي عَصَوا لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ يقول : كي ينيبوا إلى الحقّ ، ويرجعوا إلى التوبة ، ويتركوا معاصيَ الله . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن فضيل ، عن أشعث ، عن الحسن لَعلّهُم يَرْجِعُونَ قال : يتوبون .

قال : ثنا ابن مهديّ ، عن سفيان ، عن السديّ ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، عن عبد الله لَعلّهُمْ يَرْجِعُونَ يوم بدر ، لعلهم يتوبون .

قال : ثنا أبو أُسامة ، عن زائدة ، عن منصور عن إبراهيم لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ قال : إلى الحقّ .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الّذِي عَمِلُوا لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ : لعلّ راجعا أن يرجع ، لعل تائبا أن يتوب ، لعلّ مستعتبا أن يستعتب .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو عامر ، قال : حدثنا قرة ، عن الحسن ، لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ قال : يرجع مَنْ بعدَهم .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله : لِيُذِيقَهمْ فقرأ ذلك عامة قرّاء الأمصار لِيُذِيقَهُمْ بالياء ، بمعنى : ليذيقهم الله بعض الذي عملوا ، وذُكر أن أبا عبد الرحمن السّلَمي قرأ ذلك بالنون على وجه الخبر من الله عن نفسه بذلك .