فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ظَهَرَ ٱلۡفَسَادُ فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ بِمَا كَسَبَتۡ أَيۡدِي ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعۡضَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ} (41)

{ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ( 41 ) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُم مُّشْرِكِينَ ( 42 ) }

{ ظهر الفساد } بيّن سبحانه أن الشرك والمعاصي سبب لظهور الفساد { في البر والبحر } أي العالم ، والفساد من فسد كنصر وكرم ، وفسادا ضد صلح فهون فاسد ، والفساد أخذ المال ظلما والجدب والمفسدة ضد المصلحة ، واختلف في معنى ظهور الفساد المذكور ، فقيل : هو القحط وعدم النبات ونقصان الرزق ، وكثرة الخوف ، ونحو ذلك ، وقال مجاهد وعكرمة : فساد البر قتل ابن آدم أخاه . يعني قتل قابيل لهابيل ، وفساد البحر الملك الذي يأخذ كل سفينة غصبا وليت شعري أي دليل دلهم على هذا التخصيص البعيد والتعيين الغريب ؟ فإن الآية نزلت على محمد صلى الله عليه وسلم ، والتعريف في الفساد يدل على الجنس ، فيعم كل فساد واقع في حيز البر والبحر .

وقال السدي : الفساد الشرك ، وهو أعظم الفساد ، ويمكن أن يقال : إن الشرك وإن كان الفرد الكامل في أنواع المعاصي ، ولكن لا دليل على أنه المراد بخصوصه وقيل : الفساد كساد الأسعار وقلة المعاش ، وقيل : قطع السبل والظلم وقيل : نقصان البركة بأعمال العباد كي يتوبوا ، قال النحاس : وهو أحسن ما قيل في الآية . وعنه أن الفساد في البحر انقطاع صيده بذنوب بني آدم . قال ابن عطية : فإذا قل المطر قل الغوص فيه ، وعميت دواب البحر . وقيل غير ذلك مما هو تخصيص لا دليل عليه ، والظاهر من الآية ظهور ما يصح إطلاق اسم الفساد عليه ، سواء كان راجعا إلى أفعال بني آدم من معاصيهم واقترافهم السيئات ، وتقاطعهم وتظالمهم ، وتقاتلهم ، أو راجعا إلى ما هو من جهة الله سبحانه ، بسبب ذنوبهم ، كالقحط وكثرة الخوف ، والموتان ونقصان الزرائع والثمار ، وكثرة الحرق والغرق ومحق البركات من كل شيء ، والبر والبحر هما المعروفان المشهوران .

الالاابلت

وقيل : البر الفيافي ، والبحر القرى التي على ماء ، قاله عكرمة ، والعرب تسمي الأمصار البحار . قال مجاهد : البر ما كان من المدن والقرى على غير نهر ، والبحر ما كان على شط نهر ، وعن عباس نحوه ، والأول أولى ، ويكون معنى البر مدن البحر ، ومعنى البحر مدن البحر ، وما يتصل بالمدن من مزارعها ومراعيها .

{ بما كسبت أيدي الناس } من المعاصي ، والذنوب والباء للسببية وأما ( ما ) موصولة أو مصدرية { ليذيقهم بعض الذي عملوا } اللام للعلة ، أي : ليذيقهم بعض عقوبة عملهم ، أو جزاء بعض عملهم في الدنيا ، قبل أن يعاقبهم بجميعها في الآخرة . وقيل ؛ للصيرورة ، قرئ بالياء وبنون العظمة { لعلهم يرجعون } عما هم فيه من المعاصي ، ويتوبون إلى الله ، قال ابن عباس :يرجعون من الذنوب . ولما بيّن سبحانه ظهور الفساد فيها بما كسبت أيدي المشركين والعصاة بيّن لهم ضلال أمثالهم من أهل الزمن الأول فقال :