بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{ظَهَرَ ٱلۡفَسَادُ فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ بِمَا كَسَبَتۡ أَيۡدِي ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعۡضَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ} (41)

قول عز وجل : { ظَهَرَ الفساد فِي البر والبحر } يعني : قحط المطر ، ونقص الثمار للناس والدواب . يعني : نقص النبات في البر للدواب والوحوش ؛ وفي { البحر } يعني : القرى والأرضين ينقصان الثمار والزرع . سمى القرى والمدائن بحراً لما يجري فيها من الأنهار ، ويقال : البحر نفسه لأنه إذا لم يكن مطر ، فإنه لا يخرج منه اللؤلؤ { بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي الناس } يعني : بما عملوا من المعاصي . ويقال : من أذنب ذنباً فجميع الخلق من الإنس والجن ، والدواب والوحوش ، والطير والذر ، خصماؤه يوم القيامة ، لأنه يمنع المطر بالمعصية ، فيضرّ بأهل البر والبحر .

وذكر عن شفيق الزاهد أنه قال : من أكل الحرام ، فقد خان جميع الناس ، حيث لا يستجاب دعاؤه . ويقال : { ظَهَرَ الفساد فِي البر والبحر } يعني : ظهرت المعاصي في البر والبحر { بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي الناس } يعني : بكسب الناس . فأول فساد البر كان من قابيل حيث قتل أخاه هابيل ، وأول فساد البحر كان من جلندا حيث كان يأخذ كل سفينة غصباً . وقال عطية العوفي : ظهور الفساد قحوط المطر . قيل له : هذا فساد البر فما فساد البحر ؟ قال : إذا قلّ المطر قلّ الغوص . وقال قتادة { ظَهَرَ الفساد فِي البر والبحر } يعني : امتلأت الضلالة والظلم في الأرض . وروي عن أبي العالية أنه قال البر : الأعضاء ، والبحر : القلوب ، يعني : ظهر الفساد في الناس في الأعضاء وفي القلوب .

ثم قال : { لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الذي عَمِلُواْ } يعني :يعذبهم ببعض ذنوبهم في الدنيا ، ويّدخر البعض في الآخرة . والذوق إنما هو كناية عن التعذيب . فكأنه يقول : يعذبهم بالجوع والقحط في الدنيا { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } أي : لكي يرجعوا عن الكفر . قرأ ابن كثير : { لنُذِيقَهُمْ } بالنون يعني : لنذيقهم نحن . وقرأ الباقون : بالياء يعني : ليذيقهم الله عز وجل .