تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{ظَهَرَ ٱلۡفَسَادُ فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ بِمَا كَسَبَتۡ أَيۡدِي ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعۡضَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ} (41)

الآية 41 وقوله تعالى : { ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس } هذا يحتمل وجهين :

أحدهما : أن يكون قوله : { ظهر الفساد في البر والبحر } هو الشرك والكفر { بما كسبت أيدي الناس } من الأمور التي كانوا يتعاطون مع قطع الطريق والسرف والظلم وأنواع أعمال السوء التي يتعاطونها . ذلك سبب شركهم وكفرهم بالله . وبذلك كان يغطي قلوبهم حتى لا تتجلى قلوبهم للإيمان كقوله : { كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون } [ المطففين : 14 ] وكقوله : { فأعقبهم نفاقا في قلوبهم } الآية [ التوبة : 77 ] ونحوه . فإن كان هذا فهو على حقيقة تقديم الأيدي والكسب .

والثاني : يكون : { ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس } هو القحط وقلة الأمطار والأنزال والضيق .

وقوله تعالى : { بما كسبت أيدي الناس } هو شركهم وكفرهم وتعاطيهم ما لا يحل ، أي ذلك القحط والضيق وقلة الأنزال والشدائد لهم لشركهم وكفرهم وأعمالهم التي اختاروها .

ويكون ذكر كسب الأيدي على المجاز لا على الحقيقة ، ولكن لما باليد يكتسب ، وبالقدم يقدم ؛ ذكر اليد كقوله : { ذلك بما قدّمت يداك } [ الحج : 10 ] ولعله لم يقدم شيئا ، لكنه ذكر أنه ظهر هذا( {[16092]} ) الشرك والكفر بحقيقة كسب الأيدي من أعمال السوء التي ذكرنا . ذلك كان يمنعهم عن الإيمان وكشف الغطاء عن قلوبهم .

وفي التأويل الآخر : الفساد الذي ظهر من القحط وقلة الأمطار والأنزال والضيق بما كسبت أيدي الناس ، هو الشرك والكفر وتعاطي ما لا يحل لا على حقيقة كسب الأيدي ولكن لما ذكرنا .

ثم اختلف في قوله : { في البر والبحر } : قال بعضهم : البر ، وهو المفازة التي لا ماء فيها ، والقرى والأمصار . وقال بعضهم : أما البر فأهل العمود ، وأما البحر فهم أهل القرى والريف . وقال بعضهم : [ فساد ]( {[16093]} ) البر : قتل ابن آدم أخاه ، [ وفساد البحر ]( {[16094]} ) أخذ الملك كل سفينة غصبا .

وجائز : أن يكون لا على حقيقة إرادة البر والبحر ، ولكن على إرادة الأحوال نفسها على ما ذكرنا من القحط والضيق وقلة الأنزال بما كسبت أيدي الناس من الشرك والكفر { ليذيقهم بعض الذي عملوا } وهو الشرك ، وهذا أشبه .

وعن الحسن [ أنه ]( {[16095]} ) قال : أفسدهم الله في بر الأرض وبحرها بأعمالهم الخبيثة { لعلهم يرجعون } قال : يرجع من كان بعدهم ، ويتعظون بهم . وقتادة يقول : لعل راجعا يرجع ، لعل تائبا يتوب ، لعل مستغيثا يستغيث .

وأصله لكي يلزمهم الرجوع والتوبة عما عملوا ، وينهاهم( {[16096]} ) عن ذلك كله .

وقال بعضهم : ظهر الفساد في البر والبحر أي أجدب البر ، وانقطعت مادة البحر بذنوب الناس .

قال أبو عوسجة : الربا مثل ما يصنع أصحاب الربا { ليربوا } ليزيد ، ويكثر ؛ يقال : ربا ماله أي كثر . والقتبيّ يقول : أي يزيدكم من أموال الناس من زكاة وصدقة .


[16092]:في الأصل وم: هو.
[16093]:ساقطة من الأصل وم.
[16094]:في الأصل وم: والبحر.
[16095]:ساقطة من الأصل وم.
[16096]:في الأصل وم: وينبههم.