قوله تعالى : { ها أنتم هؤلاء } بتليين الهمزة ، حيث كان مدني ، وأبو عمرو والباقون بالهمزة ، واختلفوا في أصلة فقال بعضهم : أصله أنتم وهاء تنبيه ، وقال الأخفش أصلة أأنتم ، فقلبت الهمزة الأولى هاء ، كقولهم : هرقت الماء ، وأرقت . ( هؤلاء ) أصله أولاء دخلت عليه هاء التنبيه وهو في موضع النداء ، يعني يا هؤلاء أنتم .
قوله تعالى : { حاججتم فيما لكم به علم } يعني في أمر موسى وعيسى ، وادعيتم أنكم على دينهما وقد أنزلت التوراة والإنجيل عليكم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم وليس في كتابكم ، أنه كان يهودياً أو نصرانياً ، وقيل حاججتم فيما لكم به علم يعني في أمر محمد صلى الله عليه وسلم ، لأنهم وجدوا نعته في كتابهم فجادلوا فيه بالباطل ، فلم تحاجون في إبراهيم وليس في كتابكم ولا علم لكم به .
قوله تعالى : { والله يعلم وأنتم لا تعلمون } . ثم برأ الله تعالى إبراهيم مما قالوا .
لما ادعى اليهود أن إبراهيم كان يهوديا ، والنصارى أنه نصراني ، وجادلوا على ذلك ، رد تعالى محاجتهم ومجادلتهم من ثلاثة أوجه :
أحدها : أن جدالهم في إبراهيم جدال في أمر ليس لهم به علم ، فلا يمكن لهم ولا يسمح لهم أن يحتجوا ويجادلوا في أمر هم أجانب عنه وهم جادلوا في أحكام التوراة والإنجيل سواء أخطأوا أم أصابوا فليس معهم المحاجة في شأن إبراهيم .
الوجه الثاني : أن اليهود ينتسبون إلى أحكام التوراة ، والنصارى ينتسبون إلى أحكام الإنجيل ، والتوراة والإنجيل ما أنزلا إلا من بعد إبراهيم ، فكيف ينسبون إبراهيم إليهم وهو قبلهم متقدم عليهم ، فهل هذا يعقل ؟ ! فلهذا قال { أفلا تعقلون } أي : فلو عقلتم ما تقولون لم تقولوا ذلك .
الوجه الثالث : أن الله تعالى برأ خليله من اليهود والنصارى والمشركين ، وجعله حنيفا مسلما ، وجعل أولى الناس به من آمن به من أمته ، وهذا النبي وهو محمد صلى الله على وسلم ومن آمن معه ، فهم الذين اتبعوه وهم أولى به من غيرهم ، والله تعالى وليهم وناصرهم ومؤيدهم ، وأما من نبذ ملته وراء ظهره كاليهود والنصارى والمشركين ، فليسوا من إبراهيم وليس منهم ، ولا ينفعهم مجرد الانتساب الخالي من الصواب . وقد اشتملت هذه الآيات على النهي عن المحاجة والمجادلة بغير علم ، وأن من تكلم بذلك فهو متكلم في أمر لا يمكن منه ولا يسمح له فيه ، وفيها أيضا حث على علم التاريخ ، وأنه طريق لرد كثير من الأقوال الباطلة والدعاوى التي تخالف ما علم من التاريخ .
ثم يمضي في التنديد بهم ؛ وإسقاط قيمة ما يدلون به من حجج ، وكشف تعنتهم وقلة اعتمادهم على منهج منطقي سليم في الجدل والحوار :
( ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم ، فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم ؟ والله يعلم وأنتم لا تعلمون ؟ ) .
وقد جادلوا في أمر عيسى عليه السلام ؛ كما يبدو أنهم جادلوا في بعض الأحكام التشريعية حين دعوا إلى كتاب الله ليحكم بينهم ، ثم تولوا وهم معرضون . . وكان هذا وذاك في دائرة ما يعلمون من الأمر ، أما أن يجادلوا فيما هو سابق على وجودهم ، ووجود كتبهم ودياناتهم . . فهو الأمر الذي لا سند له ولو كان سندا . شكليا . . فهو الجدل إذن لذات الجدل . وهو المراء الذي لا يسير على منهج ، وهو الغرض إذن والهوى . . ومن كان هذا حاله فهو غير جدير بالثقة فيما يقول . بل غير جدير بالاستماع أصلا لما يقول !
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.