فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{هَـٰٓأَنتُمۡ هَـٰٓؤُلَآءِ حَٰجَجۡتُمۡ فِيمَا لَكُم بِهِۦ عِلۡمٞ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيۡسَ لَكُم بِهِۦ عِلۡمٞۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ} (66)

قوله : { ها أَنتُمْ هؤلاء حاججتم فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ } الأصل في ها أنتم : أأنتم أبدلت الهمزة الأولى هاء ؛ لأنها أختها كذا قال أبو عمرو بن العلاء ، والأخفش . قال النحاس : وهذا قول حسن .

وقرأ قنبل : { هَأَنْتُمْ } وقيل : الهاء للتنبيه دخلت على الجملة التي بعدها ، أي : ها أنتم هؤلاء الرجال الحمقى حاججتم ، وفي { هؤلاء } لغتان المدّ ، والقصر . والمراد بما لهم به علم : هو ما كان في التوراة ، وإن خالفوا مقتضاه ، وجادلوا فيه بالباطل ، والذي لا علم لهم به هو زعمهم أن إبراهيم كان على دينهم لجهلهم بالزمن الذي كان فيه . وفي الآية دليل على منع الجدال بالباطل ، بل ورد الترغيب في ترك الجدال من المحقّ ، كما في حديث : «من ترك المراء ، ولو محقاً ، فأنا ضمينه على الله يبيت في ربض الجنة » وقد ورد تسويغ الجدال بالتي هي أحسن لقوله تعالى : { وجادلهم بالتي هِي أَحْسَنُ } [ النحل : 125 ] { وَلاَ تجادلوا أَهْلَ الكتاب إِلاَّ بالتي هِي أَحْسَنُ } [ العنكبوت : 46 ] ونحو ذلك ، فينبغي أن يقصر جوازه على المواطن التي تكون المصلحة في فعله أكثر من المفسدة ، أو على المواطن التي المجادلة فيها بالمحاسنة لا بالمخاشنة . قوله : { والله يَعْلَمُ } أي : كل شيء ، فيدخل في ذلك ما حاججوا به .

/خ68