فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ أي : إلى مدة قدر اللّه بقاءهم إليها ، وليس كشفا مؤبدا ، وإنما هو مؤقت ، إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ العهد الذي عاهدوا عليه موسى ، ووعدوه بالإيمان به ، وإرسال بني إسرائيل ، فلا آمنوا به ولا أرسلوا معه بني إسرائيل ، بل استمروا على كفرهم يعمهون ، وعلى تعذيب بني إسرائيل دائبين .
القول في تأويل قوله تعالى : { فَلَماّ كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرّجْزَ إِلَىَ أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ } . .
يقول تعالى ذكره : فدعا موسى ربه ، فأجابه ، فلما رفع الله عنهم العذاب الذي أنزله بهم إلى أجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ ليستوفوا عذاب أيامهم التي جعلها الله لهم من الحياة أجلاً إلى وقت هلاكهم ، إذَا هُمْ يَنْكُثُونَ يقول : إذا هم ينقضون عهودهم التي عاهدوا ربهم وموسى ، ويقيمون على كفرهم وضلالهم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله تعالى : إلى أجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ قال : عدد مسمى لهم من أيامهم .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، نحوه .
حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : فَلَمّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرّجْزَ إلى أجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إذَا هُمْ يَنْكُثُونَ قال : ما أُعطُوا من العهود ، وهو حين يقول الله : وَلَقَدْ أخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بالسّنِينَ وهو الجوع ، وَنَقْصٍ مِنَ الثّمَرَاتِ لَعَلّهُمْ يَذّكّرُونَ .
جملة { فلما كشفنا عنهم الرجز } دالة على أن موسى دعا الله برفع الطاعون فارتقع وقد جاء ذلك صريحاً في التوراة ، وحُذف هنا للإيجاز .
وقوله : { إلى أجل هم بالغوه } متعلق ب { كشفنا } باعتبار كون كشف الرجز إزالة للموتان الذي سببه الطاعون ، فإزالة الموتان مغياة إلى أجل هم بالغون إليه وهو الأجل الذي قدره الله لهلاكهم فالغاية منظور فيها إلى فعل الكشف لا إلى مفعوله ، وهو الرجْز .
وجملة : { إذا هم ينكثون } جواب ( لما ) ، و ( إذا ) رابطة للجواب لوقوع جواب الشرط جملة أسمية ، فلما كان ( إذا ) حرفاً يدل على معنى المفاجأة كان فيه معنى الفعل كأنه قيل فاجأوا بالنكث ، أي : بادروا به ولم يؤخروه . وهذا وصف لهم بإضمار الكفر بموسى وإضمار النكث لليمين .
والنكث حقيقته نقض المفتول من حبل أو غَزْل ، قال تعالى : { ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً } [ النحل : 92 ] واستعير النكث لعدم الوفاء بالعهد ، كما استعير الحبل للعهد في قوله تعالى : { إلاّ بحبل من الله وحبل من الناس } [ آل عمران : 112 ] ففي قوله : { ينكثون } استعارة تبعية .
وهذا النكث هو أن فرعون بعد أن أذن لبني إسرائيل بالخروج وخرجوا من أرض ( جاسان ) ليلاً قال لفرعون بعضُ خاصته : مَاذا فعلنا حتى أطلقنا إسرائيل من خدمتنا فندم فرعون وجهز جيشاً للالتحاق ببني إسرائيل ليردوهم إلى منازلهم كما هو في الإصحاح الربع عشر من سفر الخروج .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: فدعا موسى ربه، فأجابه، فلما رفع الله عنهم العذاب الذي أنزله بهم "إلى أجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ "ليستوفوا عذاب أيامهم التي جعلها الله لهم من الحياة أجلاً إلى وقت هلاكهم، "إذَا هُمْ يَنْكُثُونَ" يقول: إذا هم ينقضون عهودهم التي عاهدوا ربهم وموسى، ويقيمون على كفرهم وضلالهم.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{إلى أَجَلٍ هُم بالغوه} إلى حدّ من الزمن هم بالغوه لا محالة فمعذبون فيه لا ينفعهم ما تقدم لهم من الإمهال وكشف العذاب إلى حلوله {إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ} جواب لما، يعني: فلما كشفناه عنهم فاجأوا النكث وبادروا لم يؤخروه ولكن كما كشف عنهم نكثوا...
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :
{إذَا هُمْ يَنْكُثُونَ} أي ينقضون العهد، وأصل النكث فل طاقات الصوف المغزول ليغزل ثانياً فاستعير لنقض العهد بعد إبرامه.
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
{فلمّا كشفنا عنهم الرّجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون} أي فلما كشفنا عنهم العذاب مرة بعد مرة إلى أجل هم بالغوه ومنتهون إليه في كل مرة منها – وهو عود الحال إلى ما كانت عليه- أو في مجموعها وهو الغرق الذي هلكوا فيه- إذا هم ينكثون عهدهم ويحنثون في قسمهم في كل مرة. أي فاجأوا بالنكث، وبادروا إلى الحنث، بلا روية ولا ريث...
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ العهد الذي عاهدوا عليه موسى، ووعدوه بالإيمان به، وإرسال بني إسرائيل، فلا آمنوا به ولا أرسلوا معه بني إسرائيل، بل استمروا على كفرهم يعمهون، وعلى تعذيب بني إسرائيل دائبين.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
جملة {فلما كشفنا عنهم الرجز} دالة على أن موسى دعا الله برفع الطاعون فارتقع وقد جاء ذلك صريحاً في التوراة، وحُذف هنا للإيجاز.
وقوله: {إلى أجل هم بالغوه} متعلق ب {كشفنا} باعتبار كون كشف الرجز إزالة للموتان الذي سببه الطاعون، فإزالة الموتان مغياة إلى أجل هم بالغون إليه وهو الأجل الذي قدره الله لهلاكهم فالغاية منظور فيها إلى فعل الكشف لا إلى مفعوله، وهو الرجْز.
وجملة: {إذا هم ينكثون} جواب (لما)، و (إذا) رابطة للجواب لوقوع جواب الشرط جملة أسمية، فلما كان (إذا) حرفاً يدل على معنى المفاجأة كان فيه معنى الفعل كأنه قيل فاجأوا بالنكث، أي: بادروا به ولم يؤخروه. وهذا وصف لهم بإضمار الكفر بموسى وإضمار النكث لليمين.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.