قوله تعالى : { وإذ تأذن ربكم } ، أي : أعلم ، يقال : أذن وتأذن بمعنى واحد ، مثل أوعد وتوعد ، { لئن شكرتم } يعني فآمنتم وأطعتم { لأزيدنكم } في النعمة . وقيل : الشكر : قيد الموجود ، وصيد المفقود . وقيل : لئن شكرتم بالطاعة لأزيدنكم في الثواب . { ولئن كفرتم } ، نعمتي فجحدتموها ولم تشكروها ، { إن عذابي لشديد } .
وقال لهم حاثا على شكر نعم الله : { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ } أي : أعلم ووعد ، { لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ } من نعمي { وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } ومن ذلك أن يزيل عنهم النعمة التي أنعم بها عليهم .
والشكر : هو اعتراف القلب بنعم الله والثناء على الله بها وصرفها في مرضاة الله تعالى . وكفر النعمة ضد ذلك .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِذْ تَأَذّنَ رَبّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأزِيدَنّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } .
يقول جلّ ثناؤه : واذكروا أيضا حين آذنكم ربكم . وتأذّن : تفعّل من أذن ، والعرب ربما وضعت «تفعّل » موضع «أفعل » ، كما قالوا : أوعدته وتوعدته بمعنى واحد ، وآذن : أعلم ، كما قال الحارث بن حِلّزة :
آذَنَتْنا بِبَيْنِها أسمْاءُ *** رُبّ ثاوٍ يُمَلّ مِنْهُ الثّوَاءُ
يعني بقوله : آذنتنا : أعلمتنا .
وذُكر عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يقرأ وَإذْ تَأذّنَ رَبّكُمْ «وإذ قال ربكم » .
حدثني بذلك الحارث ، قال : ثني عبد العزيز ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش عنه حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وبه ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَإذْ تَأذّنَ رَبّكُمْ : وإذ قال ربكم ذلك التأذّن .
وقوله : لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنّكُمْ يقول : لئن شكرتم ربكم بطاعتكم إياه فيما أمركم ونهاكم لأزيدنكم في أياديه عندكم ونعمه عليكم على ما قد أعطاكم من النجاة من آل فرعون والخلاص من عذابهم . وقيل في ذلك قول غيره ، وهو ما :
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا الحسن بن الحسن ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، قال : سمعت عليّ بن صالح ، يقول في قول الله عزّ وجلّ : لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنّكم قال : أي من طاعتي .
حدثنا المثنى ، قال : حدثنا يزيد ، قال : أخبرنا ابن المبارك قال : سمعت عليّ بن صالح ، فذكر نحوه .
حدثني أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان : لئنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنّكُمْ قال : من طاعتي .
حدثني الحارث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا مالك بن مغول ، عن أبان بن أبي عياش ، عن الحسن ، في قوله : لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزيدَنّكُمْ قال : من طاعتي .
ولا وجه لهذا القول يفهم ، لأنه لم يجر للطاعة في هذا الموضع ذكر ، فيقال : إن شكرتموني عليها زدتكم منها ، وإنما جرى ذكر الخبر عن إنعام الله على قوم موسى بقوله : وَإذْ قالَ مُوسَى لقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ ثم أخبرهم أن الله أعلمهم إن شكروه على هذه النعمة زادهم ، فالواجب في المفهوم أن يكون معنى الكلام : زادهم من نعمه ، لا مما لم يجر له ذكر من الطاعة ، إلا أن يكون أريد به : لئن شكرتم فأطعتموني بالشكر لأزيدنكم من أسباب الشكر ما يعينكم عليه ، فيكون ذلك وجها .
وقوله : وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إنّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ يقول : ولئن كفرتم أيها القوم نعمة الله ، فجحدتموها ، بترك شكره عليها ، وخلافه في أمره ونهيه وركوبكم معاصيَه إنّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ : أعذّبكم كما أعذّب من كفر بي من خلقي . وكان بعض البصريين يقول في معنى قوله : وَإذْ تَأذّنَ رَبّكُمْ وتأذّن ربكم . ويقول : «إذ » من حروف الزوائد . وقد دللنا على فساد ذلك فيما مضى قبل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.