معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيۡكُمۡ وَيُرِيدُ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلشَّهَوَٰتِ أَن تَمِيلُواْ مَيۡلًا عَظِيمٗا} (27)

قوله تعالى : { والله يريد أن يتوب عليكم } ، إن وقع منكم تقصير في أمر دينكم .

قوله تعالى : { ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا } ، عن الحق .

قوله تعالى : { ميلاً عظيماً } . بإتيانكم ما حرم عليكم ، واختلفوا في الموصوفين باتباع الشهوات ، قال السدي : هم اليهود والنصارى ، وقال بعضهم : هم المجوس ، لأنهم يحلون نكاح الأخوات ، وبنات الأخ ، والأخت وقال مجاهد : هم الزناة ، يريدون أن تميلوا عن الحق فتزنون كما يزنون ، وقيل : هم جميع أهل الباطل .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيۡكُمۡ وَيُرِيدُ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلشَّهَوَٰتِ أَن تَمِيلُواْ مَيۡلًا عَظِيمٗا} (27)

وقوله : { وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ } أي : توبة تلم شعثكم ، وتجمع متفرقكم ، وتقرب بعيدكم .

{ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ } أي : يميلون معها حيث مالت ويقدمونها على ما فيه رضا محبوبهم ، ويعبدون أهواءهم ، من أصناف الكفرة والعاصين ، المقدمين لأهوائهم على طاعة ربهم ، فهؤلاء يريدون { أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا } أي : [ أن ] تنحرفوا عن الصراط المستقيم إلى صراط المغضوب عليهم والضالين .

يريدون أن يصرفوكم عن طاعة الرحمن إلى طاعة الشيطان ، وعن التزام حدود من السعادة كلها في امتثال أوامره ، إلى مَنْ الشقاوةُ كلها في اتباعه . فإذا عرفتم أن الله تعالى يأمركم بما فيه صلاحكم وفلاحكم وسعادتكم ، وأن هؤلاء المتبعين لشهواتهم يأمرونكم بما فيه غاية الخسار والشقاء ، فاختاروا لأنفسكم أوْلى الداعيين ، وتخيّروا أحسن الطريقتين .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيۡكُمۡ وَيُرِيدُ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلشَّهَوَٰتِ أَن تَمِيلُواْ مَيۡلًا عَظِيمٗا} (27)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الّذِينَ يَتّبِعُونَ الشّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً } . .

يعني بذلك تعالى ذكره : والله يريد أني يراجع بكم طاعته ، والإنابة إليه ، ليعفو لكم عما سلف من آثامكم ، ويتجاوز لكم عما كان منكم في جاهليتكم من استحلالكم ما هو حرام عليكم من نكاح حلائل آبائكم وأبنائكم ، وغير ذلك مما كنت تستحلونه وتأتونه ، مما كان غير جائز لكم إتيانه من معاصي الله { ويُرِيدُ الّذِينَ يَتّبِعُونَ الشّهَواتِ } يقول : يريد الذين يطلبون لذات الدنيا وشهوات أنفسهم فيها ، أن تميلوا عن أمر الله تبارك وتعالى ، فتجوروا عنه بإتيانكم ما حرّم عليكم وركوبكم معاصيه { مَيْلاً عَظِيما } جورا وعدولاً عنه شديدا .

واختلف أهل التأويل في الذين وصفهم الله بأنه يتبعون الشهوات ، فقال بعضهم : هم الزناة . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : { ويُرِيدُ الّذِينَ يَتّبعُونَ الشّهَوَاتِ } قال : الزنا . { أنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيما } قال : يريدون أن تزنوا .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { ويُرِيدُ الّذِينَ يَتّبعُونَ الشّهَوَاتِ أنْ تَميلُوا مَيْلاً عَظِيما } أن تكونوا مثلهم تزنون كما يزنون .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثنى حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : { ويُرِيدُ الّذِينَ يَتّبِعُونَ الشّهَواتِ } قال : الزنا . { أنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيما } قال : يزني أهل الإسلام كما يزنون . قال : هي كهيئة { وَدّوا لَوْتُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ } .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا يحيى بن أبي زائدة ، عن ورقاء عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { ويُرِيدُ الّذِينَ يَتّبِعُونَ الشّهَوَاتِ } قال : الزنا . { أنْ تَمِيلُوا } قال : أن تزنوا .

وقال آخرون : بل هم اليهود والنصارى . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { ويُرِيدُ الّذِينَ يَتّبعُونَ الشّهَوَاتِ } قال : هم اليهود والنصارى¹ { أنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيما } .

وقال آخرون : بل هم اليهود خاصة ، وكانت إرادتهم من المسلمين اتباع شهواتهم في نكاح الأخوات من الأب ، وذلك أنهم يحلون نكاحهنّ ، فقال الله تبارك وتعالى للمؤمنين : ويريد الذين يحللون نكاح الأخوات من الأب ، أن تميلوا عن الحقّ ، فتستحلوهنّ كما استحلوا .

وقال آخرون : معنى ذلك : كل متبع شهوة في دينه لغير الذي أبيح له . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : سمعت ابن زيد يقول في قوله : { ويُرِيدُ الّذِينَ يَتّبِعُونَ الشّهَوَاتِ } . . . الاَية ، قال : يريد أهل الباطل وأهل الشهوات في دينهم ، { أنْ تَمِيلُوا } في دينكم { مَيْلاً عَظِيما } تتبعون أمر دينهم ، وتتركون أمر الله وأمر دينكم .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : معنى ذلك : ويريد الذين يتبعون شهوات أنفسهم من أهل الباطل ، وطلاب الزنا ، ونكاح الأخوات من الاَباء ، وغير ذلك مما حرّمه الله أن تميلوا ميلاً عظيما عن الحقّ ، وعما أذن الله لكم فيه ، فتجوروا عن طاعته إلى معصيته ، وتكونوا أمثالهم في اتباع شهوات أنفسكم فيما حرّم الله وترك طاعته ، ميلاً عظيما .

وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب ، لأن الله عزّ وجلّ عمّ بقوله : { ويُرِيدُ الّذِينَ يَتّبعُونَ الشّهَوَاتِ } فوصفهم باتباع شهوات أنفسهم المذمومة ، وعمهم بوصفهم بذلك من غير وصفهم باتباع بعض الشهوات المذمومة . فإذ كان ذلك كذلك ، فأولى المعاني بالاَية ما دلّ عليه ظاهرها دون باطنها الذي لا شاهد عليه من أصل أو قياس . وإذ كان ذلك كذلك كان داخلاً في الذين يتبعون الشهوات اليهود والنصارى والزناة وكل متبع باطلاً ، لأن كل متبع ما نهاه الله عنه فمتبع شهوة نفسه . فإذ كان ذلك بتأويل الاَية أولى ، وجبت صحة ما اخترنا من القول في تأويل ذلك .