معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖ وَمِنَ ٱلۡأَرۡضِ مِثۡلَهُنَّۖ يَتَنَزَّلُ ٱلۡأَمۡرُ بَيۡنَهُنَّ لِتَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدۡ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عِلۡمَۢا} (12)

{ الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن } في العدد ، { يتنزل الأمر بينهن } بالوحي من السماء السابعة إلى الأرض السفلى . قال أهل المعاني : هو ما يدبر فيهن من عجيب تدبيره ، فينزل المطر ويخرج النبات ، ويأتي بالليل والنهار والصيف والشتاء ، ويخلق الحيوان على اختلاف هيئاتها ، وينقلها من حال إلى حال . وقال قتادة : في كل أرض من أرضه وسماء من سمائه خلق من خلقه وأمر من أمره وقضاء من قضائه . { لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً } فلا يخفى عليه شيء .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖ وَمِنَ ٱلۡأَرۡضِ مِثۡلَهُنَّۖ يَتَنَزَّلُ ٱلۡأَمۡرُ بَيۡنَهُنَّ لِتَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدۡ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عِلۡمَۢا} (12)

{ 12 } { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا }

[ ثم ] أخبر [ تعالى ] أنه خلق الخلق من السماوات السبع ومن فيهن والأرضين السبع ومن فيهن ، وما بينهن ، وأنزل الأمر ، وهو الشرائع والأحكام الدينية التي أوحاها إلى رسله لتذكير العباد ووعظهم ، وكذلك الأوامر الكونية والقدرية التي يدبر بها الخلق ، كل ذلك لأجل أن يعرفه العباد ويعلموا إحاطة قدرته بالأشياء كلها ، وإحاطة علمه بجميع الأشياء فإذا عرفوه بأوصافه المقدسة وأسمائه الحسنى وعبدوه وأحبوه وقاموا بحقه ، فهذه الغاية المقصودة من الخلق والأمر معرفة الله وعبادته ، فقام بذلك الموفقون من عباد الله الصالحين ، وأعرض عن ذلك ، الظالمون المعرضون .

[ تم تفسيرها والحمد لله ]

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖ وَمِنَ ٱلۡأَرۡضِ مِثۡلَهُنَّۖ يَتَنَزَّلُ ٱلۡأَمۡرُ بَيۡنَهُنَّ لِتَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدۡ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عِلۡمَۢا} (12)

ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بما يدل على كمال قدرته ، وسعة علمه فقال : { الله الذي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأرض مِثْلَهُنَّ . . } .

أى : الله - تعالى - وحده هو الذى خلق سبع سماوات طباقا وخلق من الأرض مثلهن ، أى : فى العدد فهى سبع كالسماوات .

والتعدد قد يكون باعتبار أصول الطبقات الطينية والصخرية والمائية والمعدنية ، وغير ذلك من الاعتبارات التى لا يعلمها إلا الله - تعالى - .

قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية يقول - تعالى - مخبرا عن قدرته التامة ، وسلطانه العظيم ، ليكون ذلك باعثا على تعظيم ما شرع من الدين القويم : { الله الذي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ } كقوله - تعالى - إخبارا عن نوح أنه قال لقومه : { أَلَمْ تَرَوْاْ كَيْفَ خَلَقَ الله سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً . . } وقال - تعالى - { تُسَبِّحُ لَهُ السماوات السبع والأرض وَمَن فِيهِنَّ } وقوله : { وَمِنَ الأرض مِثْلَهُنَّ } أى : سبعا - أيضا - كما ثبت فى الصحيحين : " من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه مع سبع أرضين " .

ومن حمل ذلك على سبعة أقاليم ، فقد أبعد النجعة ، وأغرق فى النزع ، وخالف القرآن والحديث بلا مستند . .

وقال الآلوسى : الله الذى خلق سبع سماوات مبتدأ وخبر { وَمِنَ الأرض مِثْلَهُنَّ } أى : وخلق من الأرض مثلهن ، على أن { مِثْلَهُنَّ } مفعول محذوف ، والجملة معطوفة على الجملة قبلها .

والمثلية تصدق بالاشتراك فى بعض الأوصاف ، فقال الجمهور : هى هنا فى كونها سبعا وكونها طباقا بعضها فوق بعض ، بين كل أرض وأرض مسافة كما بين السماء والأرض ، وفى كل أرض سكان من خلق الله ، لا يعلم حقيقتهم أحد إلا الله - تعالى - .

وقيل : المثلية فى الخلق لا فى العدد ولا فى غيره ، فهى أرض واحدة مخلوقة كالسموات السبع .

ورد هذا القيل بأنه قد صح من رواية البخارى وغيره ، قوله - صلى الله عليه وسلم - : " اللهم رب السموات السبع وما أظللن ، ورب الأرضين السبع وما أقللن . . " .

والذى نراه أن كون المثلية فى العد ، هو المعول عليه ، لورود الأحاديث الصحيحة التى صرحت بأن الأرضين سبع ، فعلينا أن نؤمن بذلك ، وأن نرد كيفية تكوينها ، وهيئاتها ، وأبعادها ، ومساحاتها ، وخصائصها . . . إلى علم الله - تعالى - .

وقوله : { يَتَنَزَّلُ الأمر بَيْنَهُنَّ } أى : يجرى أمر الله - تعالى - وقضاؤه وقدره بينهن ، وينفذ حكمه فيهن ، فالمراد بالأمر : قضاؤه وقدره ووحيه .

واللام فى قوله - تعالى - : { لتعلموا أَنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ الله قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً } متعلقة بقوله { خَلَقَ } . .

أى : خلق - سبحانه - سبع سماوات ومن الأرض مثلهن ، وأخبركم بذلك ، لتعلموا علما تاما أن الله - تعالى - على كل شىء قدير ، وأن علمه - تعالى - قد أحاط بكل شىء سواء أكان هذا الشىء جليلا أم حقيرا ، صغيرا أم كبيرا .

وبعد : هذا تفسير لسورة " الطلاق " نسأل الله - تعالى - أن يجعله خالصا لوجهه ونافعا لعباده ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖ وَمِنَ ٱلۡأَرۡضِ مِثۡلَهُنَّۖ يَتَنَزَّلُ ٱلۡأَمۡرُ بَيۡنَهُنَّ لِتَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدۡ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عِلۡمَۢا} (12)

اسم الجلالة خبر مبتدأ محذوف تقديره : هو الله . وهذا من حذف المسند إليه لمتابعة الاستعمال كما سماه السكاكي ، فإنه بعد أن جرى ذكر شؤون من عظيم شؤون الله تعالى ابتداء من قوله : { واتقوا الله ربكم } [ الطلاق : 1 ] إلى هنا ، فقد تكرر اسم الجلالة وضميره والإِسناد إليه زهاء ثلاثين مرة فاقتضى المقام عقب ذلك أن يُزاد تعريف الناس بهذا العظيم ، ولمَّا صار البساط مِليئاً بذكر اسمه صح حذفه عند الإِخبار عنه إيجازاً وقد تقدم قوله تعالى : { رب السماوات والأرض وما بينهما } في سورة مريم ( 65 ) ، وكذلك عند قوله : صم بكم عمي } [ البقرة : 18 ] ، وقوله : { مقام إبراهيم } في سورة البقرة ( 125 .

فالجملة على هذا الوجه مستأنفة استئنافاً ابتدائياً .

والموصول صفة لاسم الجلالة وقد ذُكرت هذه الصلة لما فيها من الدلالة على عظيم قدرته تعالى ، وعلى أن الناس وهم من جملة ما في الأرض عبيده ، فعليهم أن يتقوه ، ولا يتعدوا حدوده ، ويحاسبوا أنفسهم على مدى طاعتهم إياه فإنه لا تخفى عليه خافية ، وأنه قدير على إيصال الخير إليهم إن أطاعوه وعقابهم إن عصوه .

وفيه تنويه بالقرآن لأنه من جملة الأمر الذي يتنزل بين السماء والأرض .

والسبع السماوات تقدم القول فيها غير مرة ، وهي سبع منفصل بعضها عن الآخر لقوله تعالى في سورة نوح ( 15 ) : { ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقاً }

وقوله : { ومن الأرض مثلهن } عطف على { سبع سموات } وهو يحتمل وجهين : أحدهما أن يكون المعطوف قوله : { من الأرض } على أن يكون المعطوف لفظ الأرض ويكون حرف { مِن } مزيداً للتوكيد بناء على قول الكوفيين والأخفش أنه لا يشترط لزيادة { من } أن تقع في سياق النفي والنهي والاستفهام والشرط وهو الأحق بالقبول وإن لم يكن كثيراً في الكلام ، وعدمُ الكثرة لا ينافي الفصاحة ، والتقدير : وخلق الأرض ، ويكون قوله : { مثلهن } حالاً من { الأرض } .

ومماثلة الأرض للسماوات في دلالة خلقها على عظيم قدرة الله تعالى ، أي أن خلْق الأرض ليس أضعف دلالة على القدرة من خلق السماوات لأن لكل منهما خصائص دالة على عظيم القدرة .

وهذا أظهر ما تُؤَوَّلُ به الآية .

وفي إفراد لفظ { الأرض } دون أن يُؤتى به جمعاً كما أُتي بلفظ السماوات إيذان بالاختلاف بين حاليهما .

والوجه الثاني : أن يكون المعطوف { مثلهن } ويكون قوله : { ومن الأرض } بياناً للمثل فمصدق { مثلهن } هو { الأرض } . وتكون { مِن } بيانية وفيه تقديم البيان على المبيّن ، وهو وارد غير نادر .

فيجوز أن تكون مماثلة في الكُروية ، أي مثل واحدة من السماوات ، أي مثل كوكب من الكواكب السبعة في كونها تسير حول الشمس مثل الكواكب فيكون ما في الآية من الإِعجاز العلمي الذي قدمنا ذكره في المقدمة العاشرة .

وجمهور المفسرين جعلوا المماثلة في عدد السبع وقالوا : إن الأرض سبع طبقات فمنهم من قال هي سبع طبقات مُنبسطة تفرق بينها البحار .

وهذا مروي عن ابن عباس من رواية الكلبي عن أبي صالح عنه ، ومنهم من قال هي سبع طباق بعضُها فوق بعض وهو قول الجمهور . وهذا يقرب من قول علماء طبقات الأرض ( الجيولوجيا ) ، من إثبات طبقات أرضية لكنها لا تصل إلى سبع طبقات .

وفي « الكشاف » « قيل ما في القرآن آية تدل على أن الأرضين سبع إلا هذه » اه . وقد علمت أنها لا دلالة فيها على ذلك .

وقال المازري في كتابه « المُعلم » على « صحيح مسلم » عند قول النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب الشفعة : « من اقتطع شبراً من الأرض ظلماً طوقه من سبع أرضين يوم القيامة » .

كان شيخنا أبو محمد عبد الحميد كتب إليّ بعدَ فراقي له : هل وقع في الشرع عما يدل على كون الأرض سبعاً ، فكتبت إليه قولُ الله تعالى : { الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن } وذكرت له هذا الحديث فأعاد كتابه إليّ يذكر فيه أن الآية محتملة هل مثلهن في الشكل والهيئة أو مثلهن في العدد . وأن الخبر من أخبار الآحاد ، والقرآن إذا احتمل والخبر إذا لم يتواتر لم يصح القطع بذلك ، والمسألة ليست من العمليات فيتمسك فيها بالظواهر وأخبارِ الآحاد ، فأعدت إليه المجاوبة أحتج لبعد الاحتمال عن القرآن وبسطتُ القول في ذلك وترددتُ في آخر كتابي في احتماللِ ما قال . فقطع المجاوبة اهـ .

وأنت قد تبينت أن إفراد الأرض مشعر بأنها أرض واحدة وأن المماثلة في قوله : { مثلهن } راجعة إلى المماثلة في الخلق العظيم ، وأما الحديث فإنه في شأن من شؤون الآخرة وهي مخالفة للمتعارف ، فيجوز أن يطوق الغاصب بالمقدار الذي غصبه مضاعفاً سبع مرات في الغِلظ والثقل ، على أن عدد السبع يجوز أن يراد به المبالغة في المضاعفة . ولو كان المراد طبقات معلومة لقال : طوقه من السبع الأرضين بصيغة التعريف . وكلام عبد الحميد أدخل في التحقيق من كلام المازري .

وعلى مجاراة تفسير الجمهور لقوله : { ومن الأرض مثلهن } من المماثلة في عدد السبع ، فيجوز أن يقال : إن السبع سبع قطع واسعة من سطح الأرض يفصل بينها البحار نسميها القارات ولكن لا نعني بهذه التسمية المعنى الاصطلاحي في كتب الجغرافيا القديمة أو الحديثة بل هي قارات طبيعية كان يتعذر وصول سكان بعضها إلى بعضها الآخَر في الأزمان التي لم يكن فيها تنقّل بحري وفيما بعدها مما كان ركوب البحر فيها مهولاً . وهي أن آسيا مع أوروبا قارة ، وإفريقيا قارة ، وأستراليا قارة ، وأميركا الشمالية قارة ، وأميركا الجنوبية قارة ، وجرولندة في الشمال ، والقارة القطبية الجنوبية . ولا التفات إلى الأجزاء المتفرقة من الأرض في البحار ، وتكون { من } تبعيضية لأن هذه القارات الاصطلاحية أجزاء من الأرض .

واللام في قوله { لتعلموا } لام كي وهي متعلقة ب{ خلق } .

والمعنى : أن مما أراده الله من خلقه السماوات والأرض ، أن يعلم الناس قدرة الله على كل شيء وإحاطة علمه بكل شيء . لأن خلق تلك المخلوقات العظيمة وتسخيرها وتدبير نظامها في طول الدهر يدل أفكار المتأملين على أن مبدعها يقدر على أمثالها فيستدلوا بذلك على أنه قدير على كل شيء لأن دلالتها على إبداع ما هو دونها ظاهرة ، ودلالتها على ما هو أعظم منها وإن كانت غير مشاهدة ، فقياس الغائب على الشاهد يدل على أن خالق أمثالها قادر على ما هو أعظم . وأيضا فإن تدبير تلك المخلوقات بمثل ذلك الإتقان المشاهد في نظامها ، دليل على سعة علم مبدعها وأحاطته بدقائق ما هو دونها ، وأن من كان علمه بتلك المثابة لا يظن بعلمه إلا الإحاطة بجميع الأشياء .

فالعلم المراد من قوله { لتعلموا } صادق على علمين : علم يقيني مستند إلى أدلة يقينية مركبة من الدلالة الحسية والعقلية ، وعلم ظني مستند إلى الأدلة الظنية والقرائن . وكلا العلمين موصل إلى الاستدلال في الاستدلال الخطابي بفتح الخاء .