البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖ وَمِنَ ٱلۡأَرۡضِ مِثۡلَهُنَّۖ يَتَنَزَّلُ ٱلۡأَمۡرُ بَيۡنَهُنَّ لِتَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدۡ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عِلۡمَۢا} (12)

{ الله الذي خلق سبع سماواتٍ } : لا خلاف أن السموات سبع بنص القرآن والحديث ، كما جاء في حديث الإسراء ، ولقوله صلى الله عليه وسلم لسعد : « حكمت بحكم الملك من فوق سبعة أرقعة » ، وغيره من نصوص الشريعة .

وقرأ الجمهور : { مثلهن } بالنصب ؛ والمفضل عن عاصم ، وعصمة عن أبي بكر : مثلُهن بالرفع فالنصب ، قال الزمخشري : عطفاً على { سبع سماواتٍ } .

انتهى ، وفيه الفصل بالجار والمجرور بين حرف العطف ، وهو الواو ، والمعطوف ؛ وهو مختص بالضرورة عند أبي عليّ الفارسي ، وأضمر بعضهم العامل بعد الواو لدلالة ما قبله عليه ، أي وخلق من الأرض مثلهن ، فمثلهن مفعول للفعل المضمر لا معطوف ، وصار ذلك من عطف الجمل والرفع على الابتداء ، { ومن الأرض } الخبر ، والمثلية تصدق بالاشتراك في بعض الأوصاف .

فقال الجمهور : المثلية في العدد : أي مثلهن في كونها سبع أرضين .

وفي الحديث : « طوقه من سبع أرضين ورب الأرضين السبع وما أقللن » ، فقيل : سبع طباق من غير فتوق .

وقيل : بين كل طبقة وطبقة مسافة .

قيل : وفيها سكان من خلق الله .

قيل : ملائكة وجن .

وعن ابن عباس ، من رواية الواقدي الكذاب ، قال : في كل أرض آدم كآدم ، ونوح كنوح ، ونبي كنبيكم ، وإبراهيم كإبراهيمكم ، وعيسى كعيسى ، وهذا حديث لا شك في وضعه .

وقال أبو صالح : إنها سبع أرضين منبسطة ، ليس بعضها فوق بعض ، تفرق بينها البحار ، وتظل جميعها السماء .

{ يتنزل الأمر بينهن } : من السموات السبع إلى الأرضين السبع .

وقال مقاتل وغيره : الأمر هنا الوحي ، فبينهن إشارة إلى بين هذه الأرض التي هي أدناها وبين السماء السابعة .

وقال الأكثرون : الأمر : القضاء ، فبينهن إشارة إلى بين الأرض السفلى التي هي أقصاها وبين السماء السابعة التي هي أعلاها .

وقيل : { يتنزل الأمر بينهن } بحياة وموت وغنى وفقر .

وقيل : هو ما يدبر فيهن من عجيب تدبير .

وقرأ الجمهور : { يتنزل } مضارع تنزل .

وقرأ عيسى وأبو عمر ، وفي رواية : ينزل مضارع نزل مشدّداً ، الأمر بالنصب ؛ والجمهور : { لتعلموا } بتاء الخطاب .

وقرىء : بياء الغيبة ، والله تعالى أعلم .