التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖ وَمِنَ ٱلۡأَرۡضِ مِثۡلَهُنَّۖ يَتَنَزَّلُ ٱلۡأَمۡرُ بَيۡنَهُنَّ لِتَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدۡ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عِلۡمَۢا} (12)

( 1 ) عتت : تمردت

{ وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُّكْرًا ( 8 ) فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا ( 9 ) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُوْلِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا ( 10 ) رَّسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا ( 11 ) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ( 12 ) }

عبارة الآيات واضحة والمتبادر أنها جاءت معقبة على الفصل السابق . ومن المحتمل أن تكون نزلت معه أو نزلت عقبه . وقافيتها قد تدل على قوة الانسجام بينها وبين ما قبلها أيضا . وقد استهدفت التوكيد والتشديد في وجوب تقوى الله والتزام الحدود التي بلغها رسول الله للمؤمنين في مسائل الطلاق والعدة والرضاع والرفق بالمرأة ورعاية حقوقها والحرص على الرابطة الزوجية ؛ حيث قررت أن الله إنما أرسل رسوله إليهم ليخرجوهم بما يتلوه عليهم من الآيات المنزلة عليه من الظلمات إلى النور ومن الفوضى إلى النظام ، وأهابت بهم إلى تقوى الله .

ووعدت من يلتزم أوامره نعيم الجنات وكريم الأجر والرزق ، وأوعدت من يتمرد عليها بالعذاب الشديد الذي حل بكثير من القرى والأمم التي تمردت على الله وأوامره .

والآيات قوية الأسلوب موجه إلى العقول والقلوب معا . ومن شأنها أن تنفذ إلى نفس المؤمن نفوذا قويا . وفيها دلالة مؤيدة للدلالات السابقة الكثيرة على ما أعاره القرآن لموضوع المرأة والحياة الزوجية من عناية كبرى . وتلقين بأن يكون القرآن أسوة المؤمن ونبراسه في هذا الموضوع الخطير .

تعليق على الآية

{ الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن }

وجملة { ومن الأرض مثلهن } تأتي لأول مرة وللمرة الوحيدة في القرآن . وقد ذكرت الأرض في الآيات التي ورد ذكرها فيها في غير هذه الآية في صيغة المفرد . وقد استنبط أهل التأويل من ذلك أن الأرض سبع كالسموات . وساقوا في تأييد ذلك أحاديث نبوية وصحابية وتابعته على ما جاء في كتب التفسير{[2251]} ومن هذه الأحاديث ما ورد في كتب الأحاديث الصحيحة ، ومنها ما لم يرد من ذلك حديث رواه الترمذي عن أبي هريرة قال ( بينما نبي الله جالس وأصحابه إذا أتى عليهم سحاب فقال نبي الله : هل تدرون ما هذا ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : هذا العنان . هذا روايا الأرض يسوقه الله تعالى إلى قوم لا يشكرونه ولا يدعونه . ثم قال : هل تدرون ما فوقكم ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : فإنها سقف محفوظ وموج مكفوف قال : هل تدرون كم بينكم وبينها ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : بينكم وبينها مسيرة خمسمائة سنة . ثم قال : هل تدرون ما فوق ذلك ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : فإن فوق ذلك سماءين ما بينهما مسيرة خمسمائة سنة حتى عدد سبع سموات ما بين كل سماءين كما بين السماء والأرض ثم قال : هل تدرون ما فوق ذلك ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : فوق ذلك العرش وبينه وبين السماء بعد ما بين السماءين . ثم قال : هل تدرون ما الذي تحتكم ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال فإنها الأرض ثم قال هل تدرون ما الذي تحت ذلك . قالوا الله ورسوله أعلم . قال : فإن تحتها الأرض الأخرى بينهما مسيرة خمسمائة سنة ، حتى عدد سبع أرضين بين كل أرضين مسيرة خمسمائة سنة . ثم قال : والذي نفس محمد بيده لو أنكم دليتم رجلا بحبل إلى الأرض السفلى لهبط على الله ثم قرأ { هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم ) {[2252]} وحديث أورده ابن كثير عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( ما السموات السبع وما فيهن وما بينهن والأرضون السبع وما فيهن وما بينهن في الكرسي إلا كحلقة ملقاة في أرض فلاة ) .

وهناك حديث رواه الشيخان فيه عبارة سبع أرضين هذا نصه ( من أخذ من الأرض شيئا بغير حق خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين وفي رواية من أخذ شبرا من الأرض ظلما فإنه يطوقه يوم القيامة من سبع أرضين ) {[2253]} على أن هناك على ما ذكره المفسرون من قال : إن الآية لا تفيد ذلك . وإنه ليس في القرآن أي دليل على أن الأرض سبع . وخرج العبارة القرآنية تخريجين أحدهما أن يكون تقديرها { الله الذي خلق سبع سماوات وما الأرض مثلهن } وثانيهما : أن تكون { من } زائدة ويكون تقدير العبارة ( الله الذي خلق سبع سماوات والأرض خلقها مثلهن ) {[2254]} والظاهر أن أصحاب هذا التأويل لم يثبت عندهم ما ورد من الأحاديث التي تذكر سبع أرضين .

وعلى كل حال فالملحوظ أن العبارة القرآنية جاءت عابرة ، وبسبيل بيان عظيمة قدرة الله ومطلق تصرفه أي ليست بسبيل تقرير كون الأرض سبعا ، بل ولا تقرير كون السماوات سبعا بصورة مباشرة مقصودة . وإذا صح حديثا أبي هريرة وابن مسعود فإنهما بسبيل التنويه بعظمة ملكوت الله تعالى ووجوده وإحاطته . وحديث ابن عمر هو من باب الإنذار والوعيد من جهة ومن مشاهد يوم القيامة وعلى سبيل التمثيل والترهيب من جهة أخرى كما هو المتبادر . وأن الأولى أن يقف المؤمن في صدد السموات والأرض ، ومشاهد الكون والمغيبات المتنوعة الأخرى التي أخبر بها القرآن أو جاءت فيه عرضا أو قصدا عند ما وقف عنده القرآن والثابت من الحديث النبوي دون تزيد ولا تخمين ، مع استشفاف الحكمة من ذلك التي منها على ما هو المتبادر بيان عظمة ملكوت الله وقدرته وإحاطته بكل شيء ومع ملاحظة كون هذه الآيات وأمثالها من المتشابهات التي يجب أن يترك تأويلها ما لم يعه عقل الإنسان إلى الله ، وأنها ليست من المحكمات التي يكون فهم كنهها من الضرورات الدينية على ما نبهنا عليه في مناسبات سابقة . والله تعالى أعلم .


[2251]:انظر تفسير الآية وتفسير آية سورة الحديد (3) في كتب تفسير الطبري والبغوي وابن كثير والخازن وغيرهم.
[2252]:التاج ج 4 كتاب التفسير ص 226 و227
[2253]:التاج ج 5 ص 17 وعلق الشارح على هذا الحديث بقوله السند غريب
[2254]:انظر تفسير القاسمي محاسن التأويل.