بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖ وَمِنَ ٱلۡأَرۡضِ مِثۡلَهُنَّۖ يَتَنَزَّلُ ٱلۡأَمۡرُ بَيۡنَهُنَّ لِتَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدۡ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عِلۡمَۢا} (12)

ثم قال عز وجل : { الله الذي خَلَقَ سَبْعَ سماوات وَمِنَ الأرض مِثْلَهُنَّ } يعني : خلق سبع أرضين مثل عدد السماوات . { يَتَنَزَّلُ الأمر بَيْنَهُنَّ } يعني : ينزل الوحي من السموات . ويقال : في كل سماء ، وفي كل أرض أمره نافذ . وقال القتبي : الأمر ، على وجوه الأمر أي القضاء ، كقوله : { إِنَّ رَبَّكُمُ الله الذي خَلَقَ السماوات والأرض في سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ استوى عَلَى العرش يُدَبِّرُ الأمر مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذلكم الله رَبُّكُمْ فاعبدوه أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } [ يونس : 3 ] ويعني : يقضي القضاء ، وكقوله : { إِنَّ رَبَّكُمُ الله الذي خَلَقَ السماوات والأرض فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ استوى عَلَى العرش يُغْشِى الليل النهار يَطْلُبُهُ حَثِيثًا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الخلق والأمر تَبَارَكَ الله رَبُّ العالمين } [ الأعراف : 54 ] أي : القضاء . والأمر : الدين ، كقوله : { وتقطعوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا راجعون } [ الأنبياء : 93 ] وكقوله : { لَقَدِ ابتغوا الفتنة مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ الأمور حتى جَاءَ الحق وَظَهَرَ أَمْرُ الله وَهُمْ كارهون } [ التوبة : 48 ] أي : دين الله . والأمر : القول كقوله : { وكذلك أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ ليعلموا أَنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ وَأَنَّ الساعة لاَ رَيْبَ فِيهَا إِذْ يتنازعون بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُواْ ابنوا عَلَيْهِمْ بنيانا رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الذين غَلَبُواْ على أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِدًا } [ الكهف : 21 ] أي قولهم الأمر : العذاب ، كقوله : { يا إبراهيم أَعْرِضْ عَنْ هذا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ } [ هود : 76 ] والأمر : القيامة ، كقوله : { أتى أَمْرُ الله فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سبحانه وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ } [ النحل : 1 ] والأمر : الوحي ، كقوله : { الله الذي خَلَقَ سَبْعَ سماوات وَمِنَ الأرض مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأمر بَيْنَهُنَّ لتعلموا أَنَّ الله على كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ الله قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيءٍ عِلْمَا } [ الطلاق : 12 ] يعني : الوحي . والأمر : الذنب ، كقوله : { فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عاقبة أَمْرِهَا خُسْراً } [ الطلاق : 9 ] أي : جزاء ذنبها . وأصل هذا كله واحد ، لأن الأشياء كلها بأمر الله تعالى ، فسميت الأشياء أموراً .

ثم قال : { لّتَعْلَمُواْ أَنَّ الله على كُلّ شَيء قَدِيرٌ } يعني : يمكنكم أن تعلموا أن الله على كل شيء قدير . { وَأَنَّ الله قَدْ أَحَاطَ بِكُلّ شَيء عِلْمَا } يعني : أحاط علمه بكل شيء . وروى معمر ، عن قتادة في قوله : { سَبْعَ سماوات وَمِنَ الأرض مِثْلَهُنَّ } قال : في كل سماء ، وفي كل أرض من أرضه ، وخلق من خلقه وأمر من أموره ، وقضاء من قضائه سبحانه وتعالى .