قوله تعالى : { وما منعهم أن تقبل منهم } ، قرأ حمزة و الكسائي : { يقبل } بالياء لتقدم الفعل ، وقرأ الباقون بالتاء لأن الفعل مسند إلى جمع مؤنث وهو النفقات ، فأنت الفعل ليعلم أن الفاعل مؤنث ، { نفقاتهم } ، صدقاتهم ، { إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله } ، أي : المانع من قبول نفقاتهم كفرهم ، { ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى } ، متثاقلون لأنهم لا يرجون على أدائها ثوابا ، ولا يخافون على تركها عقابا ، فإن قيل : كيف ذم الكسل في الصلاة ولا صلاة لهم أصلا ؟ قيل : الذم واقع على الكفر الذي يبعث على الكسل ، فإن الكفر مكسل ، والإيمان منشط ، { ولا ينفقون إلا وهم كارهون } ، لأنهم يعدونها مغرما ومنعها مغنما .
{ وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ } والأعمال كلها شرط قبولها الإيمان ، فهؤلاء لا إيمان لهم ولا عمل صالح ، حتى إن الصلاة التي هي أفضل أعمال البدن ، إذا قاموا إليها قاموا كسالى ، قال : { وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى } أي : متثاقلون ، لا يكادون يفعلونها من ثقلها عليهم .
{ وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ } من غير انشراح صدر وثبات نفس ، ففي هذا غاية الذم لمن فعل مثل فعلهم ، وأنه ينبغي للعبد أن لا يأتي الصلاة إلا وهو نشيط البدن والقلب إليها ، ولا ينفق إلا وهو منشرح الصدر ثابت القلب ، يرجو ذخرها وثوابها من اللّه وحده ، ولا يتشبه بالمنافقين .
ثم بين - سبحانه - على التفصيل لمظاهر فسقهم - أن هناك ثلاثة أسباب أدت إلى عدم قبول نفقاتهم .
أما السبب الأول فقد عبر عنه - سبحانه - بقوله : { وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بالله وَبِرَسُولِهِ . . } .
أى : وما منعهم قبول نفقاتهم شئ من الأشياء إلا كفرهم بالله - تعالى - ورسوله - صلى الله عليه وسلم - .
فالاستثناء من أهم الأشياء . والضمير في " منعهم " هو المفعول الأول للفعل ، وقوله : { أَن تُقْبَلَ } هو المفعول الثانى ، لأن الفعل " منع " يتعدى لمفعولين تارة بنفسه كما هنا ، وتارة يتعدى إلى المفعول الثانى بحرف الجر وهو حرف " من " أو " عن " .
والفاعل ما في حيز الاستثناء وهو قوله : { إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ . . } .
وأما السبب الثانى فقد عبر عنه - سبحانه - بقوله : { وَلاَ يَأْتُونَ الصلاة إِلاَّ وَهُمْ كسالى } .
ولفظ " كسالى " . جمع كسلان ، مأخوذ من الكسل بمعنى التثاقل عن الشئ ، والفتور عن أدائه . وفعله بزنة فرح .
أى : ولا يأتون الصلاة التي كبتها الله عليهم في حال من الأحوال ، إلا في حال كونهم قوم خلت قلوبهم من الإِيمان ، فصاروا لا يرجون من وراء أدائها ثواباً ولا يشخون من وراء تركها عقاباً ، وإنما يؤدونها رياء أو تقية للمسلمين .
وشبيه بهذه الجملة الكريمة قوله - تعالى - في سورة النساء : { إِنَّ المنافقين يُخَادِعُونَ الله وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قاموا إِلَى الصلاة قَامُواْ كسالى يُرَآءُونَ الناس وَلاَ يَذْكُرُونَ الله إِلاَّ قَلِيلاً } وأما ، السبب الثالث فقد عبر عنه - سبحانه - بقوله : { وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ } .
أى . ولا ينفقون نفقة في سبيل الله إلا وهم كاروهون لها لأنهم يعدونها مغرماً ، ويعتبرون تركها مغنما ، وما حملهم على الإِنفاق إلا الرياء أو المخادعة أو الخوف من انكشاف أمرهم ، وافتضاح حالهم .
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : الكراهية خلاف الطواعية ، وقد جعلهم الله - تعالى - طائعين في قوله " طوعاً " ثم وصفهم هنا بأنهم لا ينفقون إلا وهم كارهون فكيف ذلك .
قلت : المراد بطوعهم أنهم يبذلون نفقتهم من غير إلزام من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو من رؤسائهم ، وما طوعهم ذاك إلا عن كراهية واضطرار ، لا عن رغبة واختيار .
أى : أن نفقتهم في جميع الأحوال لا يقصد بها الاستجابة لشرع الله ، وإنما يقصد بها الرياء أو المخادعة ، أو خدمة مصالحهم الخاصة .
يحتمل أن يكون معنى الآية : وما منعهم الله من أن تقبل إلا لأجل أنهم كفروا ، ف { أن } الأولى على هذا في موضع خفض نصبها الفعل حين زال الخافض ، و «أن » الثانية ، في موضع نصب مفعول من أجله ، ويحتمل أن يكون التقدير : وما منعهم الله قبول نفقاتهم إلا لأجل كفرهم ، فالأولى على هذا في موضع نصب ، ويحتمل أن يكون المعنى : وما منعهم الله قبول نفقاتهم إلا كفرهم ، فالثانية في موضع رفع فاعلة ، وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم : «أن تقبل منهم نفقاتهم » وقرأ حمزة والكسائي ونافع فيما روي عنه : «أن يقبل منهم نفقاتهم » بالياء وقرأ الأعرج بخلاف عنه : أن تقبل منهم نفقتهم «بالتاء من فوق وإفراد النفقة ، وقرأ الأعمش ، » أن يقبل منهم صدقاتهم ، وقرأت فرقة : «أن نقبل منهم نفقتهم » بالنون ونصب النفقة ، و { كسالى } جمع كسلان ، وكسلان إذا كانت مؤنثته كسلى لا ينصرف بوجه وإن كانت مؤنثته كسلانة فهو ينصرف في النكرة ثم أخبر عنهم تعالى أنهم «لا ينفقون دومة إلا على كراهية » إذ لا يقصدون بها وجه الله ولا محبة المؤمنين ، فلم يبق إلا فقد المال وهو من مكارههم لا محالة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.