غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَمَا مَنَعَهُمۡ أَن تُقۡبَلَ مِنۡهُمۡ نَفَقَٰتُهُمۡ إِلَّآ أَنَّهُمۡ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَبِرَسُولِهِۦ وَلَا يَأۡتُونَ ٱلصَّلَوٰةَ إِلَّا وَهُمۡ كُسَالَىٰ وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمۡ كَٰرِهُونَ} (54)

50

{ وما منعهم أن تقبل منهم } الآية علل منع القبول بأمور ثلاثة : أولها : الكفر بالله وبرسوله . وثانيها { ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى } قال المفسرون : معناه أنه إن كان في جماعة صلى وإن كان وحده لم يصل ، وفيه أنه يصلي للناس لا لله ، وفيه أنه غير معتقد للصلاة ووجوبها فلهذا لزم منه الكفر وثالثها : { ولا ينفقون إلا وهم كارهون } ولك أنهم لا ينفقون رغبة في ثواب الله وإنما ينفقون لأجل المصالح الدنيوية ، فهم في حكم الكارهين وإن أنفقوا مختارين يعدون الإنفاق مغرماً ومنعه مغنماً خلاف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «أدوا زكاة أموالكم طيبة بها نفوسكم » قيل : الكفر بالله سبب مستقل في منع القبول فكيف ضم إليه الأمرين الآخرين ؟ والجواب أنها أمارات ويجوز توارد الأمارت المتعددة على شيء واحد . بوجه آخر أطلق كفرهم أولاً ثم قيده بعدم اعتقادهم وجوب الصلاة والزكاة ، وبعبارة أخرى حكم عليهم بالكفر مطلقاً ثم خص من أنواع كفرهم هذين تفظيعاً لشأن تارك الصلاة والزكاة . قال في الكشاف : وقرأت في بعض الأخبار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كره للمؤمن أن يقول كسلت كأنه ذهب إلى هذه الآية ، وأن الكسل من صفات المنافقين . قال بعض العلماء : وجه الجمع بين قوله { فَمَنْ يعمل مثقال ذرة خيراً يره } [ الزلزلة : 7 ] وبين مضمون هذه الآية وهو أن شيئاً من أعمال البر لا يكون مقبولاً عند الله مع الكفر ، هو أن يصرف ذلك إلى تأثيره في تخفيف العقاب . ولقائل أن يقول : لو لم يكن مقبولاً وإلا لم يكن له في التخفيف أيضاً أثر . وقيل : في الآية دلالة على أن الصلاة لازمة للكفار وإلا لم يكن الإتيان بها على وجه الكسل مانعاً من تقبل طاعاتهم كما أن قيامهم وقعودهم وسائر تصرفاتهم على وجه الكسل ليس مانعاً من التقبل بالإنفاق .

/خ59