اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَمَا مَنَعَهُمۡ أَن تُقۡبَلَ مِنۡهُمۡ نَفَقَٰتُهُمۡ إِلَّآ أَنَّهُمۡ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَبِرَسُولِهِۦ وَلَا يَأۡتُونَ ٱلصَّلَوٰةَ إِلَّا وَهُمۡ كُسَالَىٰ وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمۡ كَٰرِهُونَ} (54)

قوله تعالى : { وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ } الآية .

" أنْ تُقْبَلَ " فيه وجهان ، أحدهما : أنه مفعول ثانٍ ، ل " مَنَعَ " إمَّا على تقدير إسقاطِ حرف الجر ، أي : من أن يقبل ، وإمَّا لوصول الفعل إليه بنفسه ؛ لأنَّك تقول : منعتُ زيداً حقَّه ومن حقه . والثاني : أنَّهُ بدلٌ من " هم " في : " مَنَعَهُمْ " ، قاله أبو البقاءِ ، كأنَّهُ يريد : بدل الاشتمال ، ولا حاجة إليه . وفي فاعل " مَنَعَ " وجهان :

أظهرهما : أنَّهُ { إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ } أي : ما منعهم قبول نفقتهم إلاَّ كفرهم .

والثاني : أنَّهُ ضمير الله تعالى : أي وما منعهم الله ، ويكون " إِلاَّ أَنَّهُمْ " منصوباً على إسقاط حرف الجر ، أي : لأنَّهم كفروا . وقرأ الأخوان{[17878]} " أن يُقْبَلَ " بالياءِ من تحت . والباقون بالتَّاء من فوق . وهما واضحتان ، لأنَّ التأنيث مجازي . وقرأ زيد بن{[17879]} علي كالأخوين إلاَّ أنَّه أفرد النفقة . وقرأ{[17880]} الأعرج " تُقبل " بالتاء من فوق ، " نَفَقَتهُم " بالإفراد . وقرأ السُّلمي{[17881]} " يَقْبل " مبنياً للفاعل ، وهو الله تعالى . وقرئ{[17882]} " نَقْبل " بنون العظمة ، " نفقتهم " بالإفراد .

فصل

ظاهر اللفظ يدل على أنَّ منع القبول معلل بمجموع الأمور الثلاثة ، وهي الكفر بالله ورسوله ، وإتيان الصَّلاة وهم كسالى ، والإنفاق على سبيل الكراهية .

ولقائل أن يقول : الكفر بالله سبب مستقل في المنع من القبولِ ، فلا يبقى لغيره أثر ، فكيف يمكن إسناد الحكم إلى السببين الباقيين ؟ .

وجوابه : أنَّ هذا الإشكالِ إنما يتوجَّهُ على قول المعتزلةِ ، حيث قالوا : إنَّ الكفر لكونه كفراً يؤثر في هذا الحكم ، أما عند أهْلِ السُّنَّةِ : فإنَّ شيئاً من الأفعال لا يوجب ثواباً ولا عقاباً وإنَّما هي معرفات ، واجتماع المعرفات الكثيرة على الشيء الواحد جائز .

فصل

دلَّت الآية على أنَّ شيئاً من أعمال البر لا يقبل مع الكفر بالله تعالى .

فإن قيل : كيف الجمع بينه وبين قوله : { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ } [ الزلزلة : 7 ] ؟ فالجوابُ : أن يصرف ذلك إلى تأثيره في تخفيف العقابِ ، ودلت الآية على أنَّ الصلاة تجب على الكافر ، لأنه تعالى ذمَّ الكافر على فعل الصَّلاة على وجه الكسل .

قال الزمخشريُّ " كُسَالَى " بالضمِّ والفتح جمع : " كَسْلان " نحو " سَكَارى " . قال المفسِّرون : معنى هذا الكسل ، أنَّهُ إن كان في جماعة صلَّى ، وإن كان وحده لم يصلِّ .

وقوله : { وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ } أي : لا ينفقون لغرض الطاعة بل رعاية للمصلحة الظاهرة .


[17878]:ينظر: السبعة ص (314)، الحجة للقراء السبعة 4/195-196، حجة القراءات ص (319)، إعراب القراءات 1/249، إتحاف 2/93.
[17879]:ينظر: السابق.
[17880]:ينظر: الكشاف 2/280، المحرر الوجيز 3/45، البحر المحيط 5/55، الدر المصون 3/473.
[17881]:ينظر: السابق.
[17882]:ينظر: المحرر الوجيز 3/45، البحر المحيط 5/55، الدر المصون 3/473.