قوله تعالى : { وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ } الآية .
" أنْ تُقْبَلَ " فيه وجهان ، أحدهما : أنه مفعول ثانٍ ، ل " مَنَعَ " إمَّا على تقدير إسقاطِ حرف الجر ، أي : من أن يقبل ، وإمَّا لوصول الفعل إليه بنفسه ؛ لأنَّك تقول : منعتُ زيداً حقَّه ومن حقه . والثاني : أنَّهُ بدلٌ من " هم " في : " مَنَعَهُمْ " ، قاله أبو البقاءِ ، كأنَّهُ يريد : بدل الاشتمال ، ولا حاجة إليه . وفي فاعل " مَنَعَ " وجهان :
أظهرهما : أنَّهُ { إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ } أي : ما منعهم قبول نفقتهم إلاَّ كفرهم .
والثاني : أنَّهُ ضمير الله تعالى : أي وما منعهم الله ، ويكون " إِلاَّ أَنَّهُمْ " منصوباً على إسقاط حرف الجر ، أي : لأنَّهم كفروا . وقرأ الأخوان{[17878]} " أن يُقْبَلَ " بالياءِ من تحت . والباقون بالتَّاء من فوق . وهما واضحتان ، لأنَّ التأنيث مجازي . وقرأ زيد بن{[17879]} علي كالأخوين إلاَّ أنَّه أفرد النفقة . وقرأ{[17880]} الأعرج " تُقبل " بالتاء من فوق ، " نَفَقَتهُم " بالإفراد . وقرأ السُّلمي{[17881]} " يَقْبل " مبنياً للفاعل ، وهو الله تعالى . وقرئ{[17882]} " نَقْبل " بنون العظمة ، " نفقتهم " بالإفراد .
ظاهر اللفظ يدل على أنَّ منع القبول معلل بمجموع الأمور الثلاثة ، وهي الكفر بالله ورسوله ، وإتيان الصَّلاة وهم كسالى ، والإنفاق على سبيل الكراهية .
ولقائل أن يقول : الكفر بالله سبب مستقل في المنع من القبولِ ، فلا يبقى لغيره أثر ، فكيف يمكن إسناد الحكم إلى السببين الباقيين ؟ .
وجوابه : أنَّ هذا الإشكالِ إنما يتوجَّهُ على قول المعتزلةِ ، حيث قالوا : إنَّ الكفر لكونه كفراً يؤثر في هذا الحكم ، أما عند أهْلِ السُّنَّةِ : فإنَّ شيئاً من الأفعال لا يوجب ثواباً ولا عقاباً وإنَّما هي معرفات ، واجتماع المعرفات الكثيرة على الشيء الواحد جائز .
دلَّت الآية على أنَّ شيئاً من أعمال البر لا يقبل مع الكفر بالله تعالى .
فإن قيل : كيف الجمع بينه وبين قوله : { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ } [ الزلزلة : 7 ] ؟ فالجوابُ : أن يصرف ذلك إلى تأثيره في تخفيف العقابِ ، ودلت الآية على أنَّ الصلاة تجب على الكافر ، لأنه تعالى ذمَّ الكافر على فعل الصَّلاة على وجه الكسل .
قال الزمخشريُّ " كُسَالَى " بالضمِّ والفتح جمع : " كَسْلان " نحو " سَكَارى " . قال المفسِّرون : معنى هذا الكسل ، أنَّهُ إن كان في جماعة صلَّى ، وإن كان وحده لم يصلِّ .
وقوله : { وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ } أي : لا ينفقون لغرض الطاعة بل رعاية للمصلحة الظاهرة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.