البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَمَا مَنَعَهُمۡ أَن تُقۡبَلَ مِنۡهُمۡ نَفَقَٰتُهُمۡ إِلَّآ أَنَّهُمۡ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَبِرَسُولِهِۦ وَلَا يَأۡتُونَ ٱلصَّلَوٰةَ إِلَّا وَهُمۡ كُسَالَىٰ وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمۡ كَٰرِهُونَ} (54)

{ وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون } .

ذكر السبب الذي هو بمفرده مانع من قبول نفقاتهم وهو الكفر ، وأتبعه بما هو ناشىء عن الكفر ومستلزم له وهو دليل عليه .

وذلك هو إتيان الصلاة وهم كسالى ، وإيتاء النفقة وهم كارهون .

فالكسل في الصلاة وترك النشاط إليها وأخذها بالإقبال من ثمرات الكفر ، فإيقاعها عندهم لا يرجون به ثواباً ، ولا يخافون بالتفريط فيها عقاباً .

وكذلك الإنفاق للأموال لا يكرهون ذلك إلا وهم لا يرجون به ثواباً .

وذكر من أعمال البر هذين العملين الجليلين وهما الصلاة والنفقة ، واكتفى بهما وإن كانوا أفسد حالاً في سائر أعمال البر ، لأنّ الصلاة أشرف الأعمال البدنية ، والنفقة في سبيل الله أشرف الأعمال المالية ، وهما وصفان المطلوب إظهارهما في الإسلام ، ويستدل بهما على الإيمان ، وتعداد القبائح يزيد الموصوف بها ذماً وتقبيحاً .

وقرأ الأخوان وزيد بن علي : أن يقبل بالياء ، وباقي السبعة بالتاء ، ونفقاتهم بالجميع ، وزيد بن علي بالإفراد .

وقرأ الأعرج بخلاف عنه : أن تقبل بالتاء من فوق نفقتهم بالإفراد .

وفي هذه القراءات الفعل مبني للمفعول .

وقرأت فرقة : أن نقبل منهم نفقتهم بالنون ونصب النفقة .

قال الزمخشري : وقراءة السلمي أن نقبل منهم نفقاتهم على أنّ الفعل لله تعالى انتهى .

والأولى أن يكون فاعل منع قوله : ألا أنهم أي كفرهم ، ويحتمل أن يكون لفظ الجلالة أي : وما منعهم الله ، ويكون إلا أنهم تقديره : إلا لأنهم كفروا .

وأن تقبل مفعول ثان إما لوصول منع إليه بنفسه ، وإما على تقدير حذف حرف الجر ، فوصل الفعل إليه .