معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ يَعۡلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا يَخۡرُجُ مِنۡهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعۡرُجُ فِيهَاۖ وَهُوَ مَعَكُمۡ أَيۡنَ مَا كُنتُمۡۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (4)

قوله تعالى : { هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم } بالعلم . { أينما كنتم والله بما تعملون بصير . له ملك السماوات والأرض وإلى الله ترجع الأمور يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وهو عليم بذات الصدور . }

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ يَعۡلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا يَخۡرُجُ مِنۡهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعۡرُجُ فِيهَاۖ وَهُوَ مَعَكُمۡ أَيۡنَ مَا كُنتُمۡۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (4)

{ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } أولها يوم الأحد وآخرها يوم الجمعة { ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } استواء يليق بجلاله ، فوق جميع خلقه ، { يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ } من حب وحيوان ومطر ، وغير ذلك . { وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا } من نبات وشجر وحيوان وغير ذلك ، { وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ } من الملائكة والأقدار والأرزاق .

{ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا } من الملائكة والأرواح ، والأدعية والأعمال ، وغير ذلك . { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ } كقوله : { مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا }

وهذه المعية ، معية العلم والاطلاع ، ولهذا توعد ووعد على المجازاة بالأعمال بقوله : { وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } أي : هو تعالى بصير بما يصدر منكم من الأعمال ، وما صدرت عنه تلك الأعمال ، من بر وفجور ، فمجازيكم عليها ، وحافظها عليكم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ يَعۡلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا يَخۡرُجُ مِنۡهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعۡرُجُ فِيهَاۖ وَهُوَ مَعَكُمۡ أَيۡنَ مَا كُنتُمۡۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (4)

ثم ساق - سبحانه - ألوانا اخرى من الأدلة التى تدل على وحدانيته وقدرته فقال : { هُوَ الذي خَلَقَ السماوات والأرض فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ استوى عَلَى العرش } .

والأيام : جمع يوم ، واليوم فى اللغة مطلق الوقت ، أى : فى ستة أوقات لا يعلم مقدارها إلا الله - تعالى - . وقيل : هذه الأيام من أيام الدنيا .

والاستواء فى اللغة : يطلق على الاستقرار ، كما فى قوله - تعالى - : { واستوت عَلَى الجودي } أى استقرت سفينة نوح - عليه السلام - عند ذلك الجيل المسمى بذلك الاسم . كما يطلق بمعنى القصد ، ومنه قولهم : استوى إلىَّ يخاصمتى ، أى : قصد لى . كما يطلق بمعنى الاستيلاء والقهر ، ومنه قول الشاعر :

قد استوى بشر على العراق . . . وعرش الله ، مما لا يعلمه البشر إلا بالاسم أما حقيقته وكيفيته فلا يعلمها إلى الله - تعالى - .

وقد ذكر العرش فى إحدى وعشرين آية من القرآن الكريم ، كما ذكر الاستواء على العرش فى سبع آيات .

أى : هو - سبحانه - الذى خلق السموات والأرض فى ستة أوقات ، ثم استوى على العرش ، استواء يليق به - تعالى - . بلا كيف ، ولا تمثيل ، ولا تشبيه ، لاستحالة اتصافه - تعالى : بصفات المحدثين ، ولوجوب تنزيهه عما لا يليق به { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السميع البصير } قال الإمام مالك - رحمه الله - الكيف غير معقول ، والاستواء غير مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة .

ثم بين - سبحانه - شمول علمه فقال : { يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأرض وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السمآء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا } .

وقوله : { يَلِجُ } من الولوج بمعنى الدخول ، يقال : ولج فلان بيته ، إذا دخله .

وقوله : { يَعْرُجُ } من العروج وهو الذهاب فى صعود ، والسماء ، جهة العلو مطلقا .

أى أنه - سبحانه - يعلم ما يلج فى الأرض ، وما يدخل فيها من ماء نازل من السماء ، ومن جواهر وكنوز قد طويت فى باطنها ، ومن بذور ومعادن فى طياتها .

ويعلم - أيضاً - { وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا } من نبات وحبوب وكنوز ، وغير ذلك من أنواع الخيرات ، ويعلم - كذلك - { مَا يَنزِلُ مِنَ السمآء } من أمطار ، وثلوج ، وبرد ، وصواعق ، وبركات ، من عنده - تعالى - لأهل الأرض .

ويعلم - أيضا - ما يصعد فيها من الملائكة ، ومن الأعمال الصالحة ، كما قال - تعالى - { إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكلم الطيب والعمل الصالح يَرْفَعُهُ } وعدى العروج بحرف فى ، لتضمنه معنى الاستقرار ، وهو فى الأصل يعدى بحرف إلى ، كما فى قوله - تعالى - : { تَعْرُجُ الملائكة والروح إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } وقوله - سبحانه - : { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ } أى : وهو معكم بعلمه ولطفه ورحمته . . أينما كنتم وحيثما وجدتم .

قال الآلوسى : قوله - تعالى - : وهو معكم أينما كنتم تمثيل لإحاطة علمه - تعالى - بهم ، وتصوير خروجهم عنه أينما كانوا ، وقيل المعية مجاز مرسل عن العلم بعلاقة السببية والقرينة السياق واللحاق مع استحالة الحقيقة .

وقد أول السلف هذه الاية بذلك ، أخرج البيهقى فى الأسماء والصفات عن ابن عباس أنه قال فيها : عالم بكم أينما كنتم .

وأخرج - أيضا - عن سفيان الثورى أنه سئل عنها فقال : علمه معكم .

وفى البحر : أنه اجمعت الأمة على هذا التأويل فيها ، وأنها لا تحمل على ظاهرها من المعية بالذات .

ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بقوله : { والله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } أى : والله - تعالى - لا يخفى عليه شىء من أقوالكم أو أفعالكم . . . بل هو مطلع عليكم اطلاعا تاما .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ يَعۡلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا يَخۡرُجُ مِنۡهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعۡرُجُ فِيهَاۖ وَهُوَ مَعَكُمۡ أَيۡنَ مَا كُنتُمۡۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (4)

و الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض . كالبذور وما يخرج منها كالزروع وما ينزل من السماء كالأمطار وما يعرج فيها كالأبخرة وهو معكم أينما كنتم لا ينفك علمه وقدرته عنكم بحال والله بما تعملون بصير فيجازيكم عليه ولعل تقديم الخلق على العلم لأنه دليل عليه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ يَعۡلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا يَخۡرُجُ مِنۡهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعۡرُجُ فِيهَاۖ وَهُوَ مَعَكُمۡ أَيۡنَ مَا كُنتُمۡۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (4)

{ هُوَ الذى خَلَقَ السماوات والأرض فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْش } .

موقع هذه الجملة استنئاف كموقع جملة { هو الأول والآخر } [ الحديد : 3 ] الآية ، فهذا استئناف ثان مفيد الاستدلال على انفراده تعالى بالإِلهية ليقلعوا عن الإِشراك به .

ويفيد أيضاً بياناً لمضمون جملة { له ملك السموات والأرض } [ الحديد : 5 ] وجملة { وهو على كل شيء قدير } [ الحديد : 2 ] ، فإن الذي خلق السماوات والأرض قادر على عظيم الإِبداع .

والاستواءُ على العرش تمثيل للمُلك الذي في قوله : { له ملك السموات والأرض } [ الحديد : 2 ]

وهذا معنى اسمه تعالى : « الخالق » ، وتقدم قريب من هذه الآية في أوائل سورة الأعراف ( 11 ) .

{ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِى الارض وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السمآء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا }

استئناف لتقرير عموم علمه تعالى بكل شيء فكان بيانَ جملة { وهو على كل شيء قدير } [ الحديد : 2 ] وجملة { وهو بكل شيء عليم } [ الحديد : 3 ] جارياً على طريقة النشر لللف على الترتيب ، وتقدم نظير هذه الآية في سورة سبأ . فانظر ذلك .

{ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ والله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير } .

عطف معنى خاص على معنى شمله وغيرَه لقصد الاهتمام بالمعطوف .

والمعيّة تمثيل كنائي عن العلم بجميع أحوالهم .

و { أين ما } ظرف مركب من ( أين ) وهي اسم للمكان ، و ( ما ) الزائدة للدلالة على تعميم الأمكنة .

وجملة { والله بما تعملون بصير } تكملة لمضمون { وهو معكم أين ما كنتم } ، وكان حقها أن لا تعطف وإنما عطفت ترجيحاً لجانب ما تحتوي عليه من الخبر عن هذه الصفة .