فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ يَعۡلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا يَخۡرُجُ مِنۡهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعۡرُجُ فِيهَاۖ وَهُوَ مَعَكُمۡ أَيۡنَ مَا كُنتُمۡۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (4)

{ هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام } من أيام الدنيا أولها الأحد وآخرها الجمعة ، ولو أراد أن يجعلهما في طرفة عين لفعل ، ولكن جعل الستة أصلا ليكون عليها المدار ، وهذا بيان لبعض ملكه للسموات والأرض وقد تقدم تفسيره في سورة الأعراف وفي غيرها مستوفى .

{ ثم استوى على العرش } أي : الكرسي استواء يليق به ، قاله المحلي ، " وعن عباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال : كنت جالسا في البطحاء في عصابة ورسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مرت سحابة فنظروا إليها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تدرون ما اسم هذه ؟ قلنا : نعم ، هذا السحاب ، قال : والمزن ، قالوا : والمزن ، قال : والعنان ، قالوا : والعنان ، ثم قال لهم : هل تدرون كم ما بين السماء والأرض ، قالوا لا والله ما ندري ، قال فإن بعد ما بينهما إما قال واحدة وإما قال اثنتان ، وإما ثلاث وسبعون سنة ، وبعد التي فوقها كذلك ، وكذلك حتى عدهن سبع سموات كذلك ، ثم فوق السماء السابعة بحر أعلاه وأسفله كما بين سماء إلى سماء ، وفوق ذلك ثمانية أوعال بين أظلافهن وركبهن كما بين سماء إلى سماء ، ثم فوق ظهورهن العرش بين أسفله وأعلاه مثل ما بين السماء إلى السماء والله عز وجل فوق ذلك " أخرجه الترمذي وأبو داود وزاد في رواية ، وليس يخفى عليه من أعمال بني آدم شيء وقد تقدم الكلام على الاستواء مرارا في غير موضع وفي هذا الباب كتب ورسائل مستقلة وهي معروفة عند أهل العلم .

{ يعلم ما يلح في الأرض } أي يدخل فيها من المطر والقطر والبذر والكنوز والموتى وغيرها { وما يخرج منها } من نبات ومعادن وغيرها { وما ينزل من السماء } من الملائكة والرحمة والعذاب والمطر وغيرها { وما يعرج فيها } أي يصعد إليها من الملائكة وأعمال العباد والدعوات ، وقال المحلي كالأعمال الصالحة والسيئة ، واعترضه القاري بأن الذي يرفع من الأعمال هو الصالح كما في قوله تعالى { إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه } وقد تقدم تفسير هذا في سورة سبأ .

{ وهو معكم أينما كنتم } بقدرته وسلطانه وعلمه عموما ، وبفضله ورحمته خصوصا ، فليس ينفك أحد من تعليق علم الله تعالى وقدرته به أينما كان من أرض أو سماء ، بر أو بحر ، وقيل هو معكم بالحفظ والحراسة ، قال ابن عباس : عالم بكم ، وهذا تمثيل للإحاطة بما يصدر منهم ، أينما داروا في الأرض من بر وبحر { والله بما تعملون بصير } لا يخفى عليه من أعمالكم شيء .