جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ يَعۡلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا يَخۡرُجُ مِنۡهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعۡرُجُ فِيهَاۖ وَهُوَ مَعَكُمۡ أَيۡنَ مَا كُنتُمۡۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (4)

{ هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش{[4906]} } : قد مر تفسيره في سورة الأعراف ، وغيرها ، { يعلم ما يلج في الأرض } : كالحب والقطر ، { وما يخرج منها } : كالشجر والنبات ، { وما ينزل من السماء } : كالملك ، والمطر ، { وما يعرج فيها } : كالأرواح ، والأعمال ، والملك والأبخرة ، { وهو معكم{[4907]} أينما كنتم } : لا ينفك علمه عنكم ، { والله بما تعملون بصير } : فيجازيكم عليه ،


[4906]:قال الشيخ عبد القادر في الغنية: وكونه عز وجل على العرش مذكور في كل كتاب أنزل على كل نبي أرسل، بلا كيف، وفي رسالة النزول لابن تيمية قال أبو عمر الطلمنكي: قد أجمع المسلمون من أهل السنة على أن الله تعالى على عرشه بائن من جميع خلقه، وتعالى الله عن قول أهل الزيغ، وعما يقول الظالمون علوا كبيرا انتهى/12
[4907]:أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله:{وهو معكم أينما كنتم} قال: عالم بكم أينما كنتم وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن سفيان الثوري أنه سئل عن قوله:{وهو معكم} قال: علمه/12 در منثور. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالة النزول: وقد ثبت عن السلف أنهم قالوا: هو معهم بعلمه وقد ذكر ابن عبد البر، وغيره أن هذا إجماع من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولم يخالفهم فيه أحد يعتد به، وهو مأثور عن ابن عباس والضحاك، ومقاتل بن حيان، والثوري، وأحمد بن حنبل، وغيرهم، وفي رسالة النزول أيضا فلفظة المعية ليست في لغة العرب، ولا شيء من القرآن أن يراد بها اختلاط إحدى الذاتين بالآخر كما في قوله:{محمد رسول الله والذين معه}[الفتح:119]، قوله:{أولئك مع المؤمنين}[النساء:146] وقوله:{اتقوا الله وكونوا مع الصادقين}[التوبة:119] وقوله:{وجاهدوا معكم}[الأنفال:75] ومثل هذا كثير، فامتنع أن يكون قوله وهو معكم يدل على أن ذاته مختلطة تكون بذوات الخلق، وأيضا فإنه افتتح الآية بالعلم، وختمها بالعلم، فكأن السياق يدل على أنه أراد أنه عالم به، وقد بسط الكلام عليه في موضع آخر يبين أن لفظ المعية في اللغة، وإن اقتضى المجامعة والمصاحبة والمقاربة، فهو إذا كان مع العباد لم يناف ذلك علوه على عرشه، ويكون حكم معيته في كل موطن بحسبه، فمع الخلق كلهم بالعلم والقدرة والسلطان، ويخص بعضهم بالإعانة والنصر والتأييد/12.