قوله تعالى :{ وأقسموا بالله جهد أيمانهم } جهد اليمين أن يحلف بالله ، ولا حلف فوق الحلف بالله ، { لئن أمرتهم ليخرجن } وذلك أن المنافقين كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أينما كنت نكن معك ، لئن خرجت خرجنا ، وإن أقمت أقمنا ، وإن أمرتنا بالجهاد جاهدنا ، فقال تعالى : { قل } لهم ، { لا تقسموا } لا تحلفوا ، وقد تم الكلام ، ثم قال : { طاعة معروفة } أي : هذه طاعة بالقول وباللسان دون الاعتقاد ، وهي معروفة يعني : أمر عرف منكم أنكم تكذبون وتقولون ما لا تفعلون ، هذا معنى قول مجاهد رضي الله عنه . وقيل معناه : طاعة معروفة بنية خالصة أفضل وأمثل من يمين باللسان لا يوافقها الفعل . وقال مقاتل بن سليمان : لكن منكم طاعة معروفة . { إن الله خبير بما تعملون* }
{ 53 - 54 } { وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ }
يخبر تعالى عن حالة المتخلفين عن الرسول صلى الله عليه وسلم في الجهاد من المنافقين ، ومن في قلوبهم مرض وضعف إيمان أنهم يقسمون بالله ، { لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ ْ } فيما يستقبل ، أو لئن نصصت عليهم حين خرجت { لَيَخْرُجُنَّ ْ } والمعنى الأول أولى . قال الله -رادا عليهم- : { قُلْ لَا تُقْسِمُوا ْ } أي : لا نحتاج إلى إقسامكم ولا إلى أعذاركم ، فإن الله قد نبأنا من أخباركم ، وطاعتكم معروفة ، لا تخفى علينا ، قد كنا نعرف منكم التثاقل والكسل من غير عذر ، فلا وجه لعذركم وقسمكم ، إنما يحتاج إلى ذلك ، من كان أمره محتملا ، وحاله مشتبهة ، فهذا ربما يفيده العذر براءة ، وأما أنتم فكلا ولما ، وإنما ينتظر بكم ويخاف عليكم حلول بأس الله ونقمته ، ولهذا توعدهم بقوله : { إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ْ } فيجازيكم عليها أتم الجزاء ، هذه حالهم في نفس الأمر .
ثم عادت السورة الكريمة إلى استكمال الحديث عن المنافقين ، فقال - تعالى - { وَأَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ } .
والجهد : الوسع والطاقة ، من جهد نفسه يجهدها - بفتح الهاء فيهما - إذا اجتهد فى الشىء ، وبذل فيه أقصى وسعه .
أى : وأقسم هؤلاء المنافقون بالأيمان الموثقة بأشد وسائل التوثيق ، بأنهم متى أمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالخروج معه للجهاد ليخرجن سراعا تلبية لأمره .
وهنا يأمر الله - تعالى - نبيه صلى الله عليه وسلم أن يرد عليهم ردا كله تهكم وسخرية بهم ، بسبب كذبهم فيقول : { قُل لاَّ تُقْسِمُواْ طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ } .
أى : قل لهم - أيها الرسول الكريم - على سبيل السخرية والزجر ، لا تقسموا على ما تقولون ، فإن طاعتكم معروف أمرها ، ومفروغ منها ، فهى طاعة باللسان فقط . أما الفعل فيكذبها .
وذلك كما تقول لمن اشتهر بالكذب : لا تحلف لى على صدقك ، فأمرك معروف لا يحتاج إلى قسم أو دليل .
ثم عقب - سبحانه - على هذه السخرية منهم بقوله : { إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } أى : إن الله - تعالى - مطلع اطلاعا تاما على ظواهركم وبواطنكم فلا يحتاج منكم إلى قسم أو توكيد لأقوالكم ، وقد علم - سبحانه - أنكم كاذبون فى حلفكم .
{ وأقسموا بالله جهد أيمانهم } إنكار للإمتناع عن حكمه . { لئن أمرتهم } الخروج عن ديارهم وأموالهم . { ليخرجن } جواب ل{ أقسموا } على الحكاية . { قل لا تقسموا } على الكذب . { طاعة معروفة } أي المطلوب منكم طاعة معروفة لا اليمين على الطاعة النفاقية المنكرة . أو { طاعة معروفة } أمثل منها أو لتكن طاعة ، وقرئت بالنصب على أطيعوا طاعة . { إن الله خير بما تعلمون } فلا يخفى عليه سرائركم .
و «جهد اليمين » بلوغ الغاية في تعقيدها .
و { ليخرجن } معناه إلى الغزو وهذه في المنافقين الذين تولوا حين { دعوا إلى الله ورسوله } .
وقوله : { قل لا تقسموا طاعة معروفة } يحتمل معاني أحدها النهي عن القسم الكاذب إذ عرف أن طاعتهم دغلة رديئة . فكأنه يقول لا تغالطوا فقد عرف ما أنتم عليه ، والثاني أن يكون المعنى لا تتكلفوا القسم طاعة متوسطة على قدر الاستطاعة أمثل وأجدى عليكم ، وفي هذا الوجه إبقاء عليهم ، والثالث أن يكون المعنى لا تقنعوا بالقسم طاعة تعرف منكم وتظهر عليكم هو المطلوب منكم ، والرابع أن يكون المعنى لا تقنعوا لأنفسكم بإرضائنا بالقسم ، طاعة الله معروفة وشرعه وجهاد عدوه مهيع لائح .
وقوله { إن الله خبير } متصل بقوله : { لا تقسموا } ، و { طاعة معروفة } ، اعتراض بليغ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.