قوله تعالى : { وَأَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ } . في «جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ » وجهان :
أحدهما : أنه منصوب على المصدر بدلاً من اللفظ بفعله ، إذ أصل : أقسم بالله جهد اليمين : أقسم بجهد اليمين جهداً ، فحذف الفعل وقدَّم المصدر موضوعاً موضعه ، مضافاً إلى المفعول ك «ضَرْبَ الرِّقَابِ »{[35197]} ، قاله{[35198]} الزمخشري{[35199]} .
والثاني : أنه حال ، تقديره : مُجتهدين في أيمانهم ، كقولهم : افعل{[35200]} ذلك جهدك وطاقتك . وقد خلط الزمخشريّ الوجهين فجعلهما وجهاً واحداً فقال بعد ما تقدَّم عنه : وحكم هذا المنصوب حكم الحال ، كأنه قيل : جاهدين أيمانهم{[35201]} وتقدم الكلام على «جَهْد أيْمَانِهِم » في المائدة{[35202]} .
قال مقاتل : من حلف بالله فقد أجهد{[35203]} في اليمين{[35204]} ، وذلك أن المنافقين كانوا يقولون لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «أينما كنت نكن معك ، لئن خرجت خرجنا ، وإن أقمت أقمنا ، وإن أمرتنا بالجهاد جاهدنا » . فقال الله تعالى : «قُلْ » لهم «لاَ تُقْسَمُوا » لا تحلفوا ، وهاهنا تم الكلام{[35205]} .
ولو كان قسمهم لما{[35206]} يجب لم يجز النهي عنه ، لأنّ{[35207]} من حلف على القيام بالبر والواجب لا يجوز أن ينهى عنه ، فثبت أنّ قسمهم كان لنفاقهم ، وكان باطنهم بخلاف ظاهرهم ، ومن نوى الغدر لا الوفاء فقسمه قبيح{[35208]} .
قوله : «طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ » . في رفعها ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه خبر مبتدأ مضمر تقديره : «أَمْرُنَا طَاعَةٌ » ، أو «المطلوب طَاعَةٌ » {[35209]} .
والثاني : أنها{[35210]} مبتدأ والخبر محذوفٌ ، أي : ( أَمْثَل أَوْ أَوْلَى{[35211]} ){[35212]} .
وقد تقدَّم أَنَّ الخبر متى كان في الأصل مصدراً بدلاً من اللفظ بفعل وجب حذف مبتدأه{[35213]} ، كقوله : «صَبْرٌ جَمِيلٌ »{[35214]} ، ولا يبرز إلاّ اضطراراً ، كقوله :
فَقَالَتْ عَلَى اسْمِ اللَّهِ أَمرُكَ طَاعَةٌ *** وإنْ كُنْتُ قَدْ كُلِّفْتُ مَا لَمْ أُعَوَّدِ{[35215]}
والثالث : أن يكون فاعله بفعل محذوف ، أي : ولتكن طاعة ، ولتوجد طاعة .
واستضعف ذلك بأنَّ الفعل لا يحذف إلاَّ ( إذا ) {[35216]} تقدَّم مشعر به ، كقوله : { يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بالغدو والآصال }{[35217]} [ النور : 36 ] في قراءة من بناه للمفعول{[35218]} ، أي : يُسَبِّحُهُ رِجَالٌ . أو{[35219]} يجاب به نفيٌ ، كقولك : بلى{[35220]} زيدٌ لمن قال : «لم يقم أحدٌ » . أو استفهام{[35221]} كقوله :
أَلاَ هَلْ أَتَى أُمَّ الحُوَيْرِثِ مُرْسَل *** بَلَى خَالِدٌ إنْ لَمْ تَعُقه العَوَائِق{[35222]}
وقرأ زيد بن علي و{[35223]}اليزيديّ : «طاعةً » بنصبها{[35224]} بفعل مضمر ، وهو الأصل . قال أبو البقاء :
ولو قرئ بالنصب لكان جائزاً في العربية ، وذلك على المصدر ، أي : أطيعوا طاعةً وقولوا قولاً ، وقد دلَّ عليه قوله{[35225]} بعدها : { قُلْ أَطِيعُواْ الله }{[35226]} قال شهاب الدين : ( قوله : ( ولو قرئ بالنصب لكان جائزاً ) قد تقدم النقل لقراءته ){[35227]} . وأما قوله : ( وقولوا قولاً ) فكأنه سبق لسانه إلى آية القتال ، وهي : { فأولى لَهُمْ طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ }{[35228]} [ محمد : 20 - 21 ] ولكن النصب هناك ممتنع أو بعيد{[35229]} .
المعنى : هذه طاعة بالقول باللسان دون الاعتقاد ، وهي معروفة{[35230]} ، أي : أمر عرف منكم أنكم تكذبون وتقولون ما لا تفعلون ، قاله مجاهد . وقيل : طاعة معروفة بنية خالصة أفضل وأمثل من يمين باللسان لا يوافقها الفعل{[35231]} . وقال مقاتل بن سليمان : لتكن{[35232]} منكم طاعة معروفة . هذا على قراءة الرفع{[35233]} . وأما على قراءة النصب{[35234]} فالمعنى : أطيعوا الله طاعةً{[35235]} و { الله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } أي : لا يخفى عليه شيء من سرائركم ، فإنه فاضحكم لا محالة ، ومجازيكم على نفاقكم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.