محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{۞وَأَقۡسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَيۡمَٰنِهِمۡ لَئِنۡ أَمَرۡتَهُمۡ لَيَخۡرُجُنَّۖ قُل لَّا تُقۡسِمُواْۖ طَاعَةٞ مَّعۡرُوفَةٌۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ} (53)

ثم أشير إلى حكاية شيء من أحوال أولئك المنافقين الممتنعين عن قبول حكمه ، وذلك إقسامهم الكاذب ، ليستدل به على إيمانهم الباطن ، بقوله تعالى :

{ وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُل لَّا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } .

{ وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ } أي بالخروج من ديارهم وأموالهم وأهليهم { لَيَخْرُجُنَّ } أي مجاهدين . و{ جهد } منصوب على الحالية . أو هو مصدر { لأقسموا } من معناه . وهو مستعار من ( جهد نفسه ) إذا بلغ وسعها . أي أكدوا الأيمان وشددوها { قُل لَّا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ } أي لا تقسموا على ذلك وتشددوا لترضونا . فإن الأمر المطلوب منكم طاعة معروفة ، لا تنكرها النفس . إذ لا حرج فيها . فأطيعوا بالمعروف من غير حلف ، كما يطيع المؤمنون . وقيل : معناه طاعتكم طاعة معروفة . أي أنها قول بلا عمل . إذ عرف كذبكم في أيمانكم . كما قال تعالى {[5853]} : { يحلفون لكم لترضوا عنهم } الآية وقال تعالى {[5854]} : { اتخذوا أيمانهم جنة } الآية فهم من سجيتهم الكذب حتى فيما يختارونه ، كما قال تعالى : {[5855]} : { ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد إنهم لكاذبون * لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون } وقوله تعالى { إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } أي من الأعمال الظاهرة ، والباطنة ، التي منها الأيمان الكاذبة ، وما تضمرونه من النفاق ومخادعة المؤمنين ، التي لا تخفى على من يعلم السر وأخفى .


[5853]:(9 التوبة 96).
[5854]:(85 المجادلة 16).
[5855]:(59 الحشر 11 و 12).