البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{۞وَأَقۡسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَيۡمَٰنِهِمۡ لَئِنۡ أَمَرۡتَهُمۡ لَيَخۡرُجُنَّۖ قُل لَّا تُقۡسِمُواْۖ طَاعَةٞ مَّعۡرُوفَةٌۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ} (53)

ولما بلغ المنافقين ما أنزل تعالى فيهم أتوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأقسموا إلى آخره أي { ليخرجن } عن ديارهم وأموالهم ونسائهم و { لئن أمرتهم } بالجهاد { ليخرجن } إليه وتقدم الكلام في { جهد أيمانهم } في الأنعام .

ونهاهم تعالى عن قسمهم لعلمه تعالى أنه ليس حقاً .

{ طاعة معروفة } أي معلومة لا شك فيها ولا يرتاب ، كطاعة الخلص من المؤمنين المطابق باطنهم لظاهرهم ، لا أيمان تقسموا بها بأفواهكم وقلوبكم على خلافها ، أو طاعتكم طاعة معروفة بالقول دون الفعل ، أو طاعة معروفة أمثل وأولى بكم من هذه الأيمان الكاذبة قاله الزمخشري .

وقال ابن عطية : يحتمل معاني .

أحدها : النهي عن القسم الكاذب إذ قد عرف أن طاعتهم دغلة رديئة فكأنه يقول : لا تغالطوا فقد عرف ما أنتم عليه .

والثاني : لا تتكلفوا القسم طاعة معروفة متوسطة على قدر الاستطاعة أمثل وأجدى عليكم ، وفي هذا الوجه إبقاء عليهم .

والثالث : لا تقنعوا بالقسم طاعة تعرف منكم وتظهر عليكم هو المطلوب منكم .

والرابع : لا تقنعوا لأنفسكم بإرضائنا بالقسمة طاعة الله معروفة وجهاد عدوه مهيع لائح انتهى .

و { طاعة } مبتدأ و { معروفة } صفة والخبر محذوف ، أي أمثل وأولى أو خبر مبتدأ محذوف أي أمرنا أو المطلوب { طاعة معروفة } .

وقال أبو البقاء : ولو قرىء بالنصب لكان جائزاً في العربية وذلك على المصدر أي أطيعوا طاعة انتهى .

وقدراه بالنصب زيد بن عليّ واليزيدي وتقدير بعضهم الرفع على إضمار ولتكن { طاعة معروفة } ضعيف لأنه لا يحذف الفعل ويبقى الفاعل ، إلاّ إذا كان ثم مشعر به نحو { رجال } بعد { يسبح } مبنياً للمفعول أي يسبحه رجال ، أو يجاب به نفي نحو : بلى زيد لمن قال : ما جاء أحد .

أو استفهام نحو قوله :

ألا هل أتى أم الحويرث مرسل *** بلى خالد إن لم تعقه العوائق

أي أتاها خالد .

{ إن الله خبير بما تعملون } أي مطلع على سرائركم ففاضحكم .

47