ولما ذكر تعالى ما رتب على الطاعة الظاهرة التي هي دليل الانقياد الباطن ذكر حال المنافقين بقوله تعالى : { وأقسموا بالله } أي : الذي له الكمال المطلق ، وقوله تعالى : { جهد أيمانهم } مستعار من جهد نفسه إذا بلغ أقصى وسعها ، وذلك إذا بالغ في اليمين وبلغ غاية شدتها ووكادتها ، وعن ابن عباس : من قال بالله فقد بالغ في اليمين ، وبلغ غاية شدتها { لئن أمرتهم } أي : أمر من الأمور { ليخرجن } مما هم متلبسون به من خلافه كائناً ما كان ، وذلك أن المنافقين كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم أينما كنت نكن معك لئن خرجت خرجنا ولئن أقمت أقمنا ، وإن أمرتنا بالجهاد جاهدنا ، فقال الله تعالى : { قل } أي : لهم { لا تقسموا } أي : لا تحلفوا فإن العلم بما أنتم عليه لا يحتاج إلى الإقسام ، وهاهنا قد تم الكلام ، ولو كان قسمهم صادقاً لما نهوا عنه ؛ لأن من حلف على القيام بالبر لا ينهى عنه ، فثبت أن قسمهم كان لنفاقهم ، وكان باطنهم يخالف ظاهرهم ، ومن نوى الغدر لا الوفاء فقسمه قبيح ؛ قال المتنبي :
وفي اليمين على ما أنت واعده *** ما دل أنك في الميعاد متهم
وفي رفع قوله تعالى : { طاعة معروفة } ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه خبر مبتدأ مضمر تقديره أمرنا طاعة أو المطلوب طاعة ، ثانيها : أنه مبتدأ والخبر محذوف ، أي : أمثل أو أولى أو خير أي : طاعة معروفة للنبي صلى الله عليه وسلم خير من قسمكم الذي لا تصدقون فيه ، ثالثها : طاعة مبتدأ أي : هذه الحقيقة ومعروفة هو الخبر أي : معروفة منكم ومن غيركم وإرادة الحقيقة هو الذي سوغ الابتداء بها مع تنكير لفظها ؛ لأن العموم الذي تصلح له قد تخصص بإرادة الحقيقة كما قالوه في أعرف المعارف .
والمعنى أن الطاعة وإن اجتهد العبد في إخفائها لا بد أن تظهر مخايلها عل شمائله ، وكذا المعصية ؛ لأنه «ما أسر عبد سريرة إلا ألبسه الله رداءها » رواه الطبراني عن عثمان ، وعن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه قال : لو أن رجلاً دخل بيتاً في جوف بيت فأدى هناك عملاً أوشك الناس أن يتحدثوا به ، وما من عامل عمل عملاً إلا كساه الله رداء عمله إن كان خيراً فخير ، وإن كان شراً فشر ، وعن سعيد : لو أن أحدكم يعمل في صخرة صماء ليس لها باب ولا كوّة لخرج عمله للناس كائناً من كان { إن الله } أي : الذي له الإحاطة بكل شيء { خبير بما تعملون } أي : لا يخفى عليه شيء من سرائركم فإنه فاضحكم لا محالة ، ومجازيكم على نفاقكم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.