قوله تعالى : { قال } . الله تعالى .
قوله تعالى : { يا آدم أنبئهم بأسمائهم } . أخبرهم بأسمائهم فسمى آدم كل شيء باسمه وذكر الحكمة التي لأجلها خلق .
قوله تعالى : { فلما أنبأهم بأسمائهم قال } . الله تعالى .
قوله تعالى : { ألم أقل لكم } . يا ملائكتي .
قوله تعالى : { إني أعلم غيب السماوات والأرض } . ما كان منهما وما يكون لأنه قد قال لهم : إني أعلم ما لا تعلمون . قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وإني بفتح الياء وكذلك يفتحون كل ياء إضافة استقبلها ألف قطع مفتوحة إلا أحرفا معدودة ، وبفتح نافع وعمرو عند الألف المكسورة أيضا إلا أحرفا معدودة ، ويفتح نافع عند المضمومة إلا أحرفا معدودة والآخرون لا يفتحون إلا في أحرف معدودة .
قوله تعالى : { وأعلم ما تبدون } . قال الحسن وقتادة : يعني قولهم ( أتجعل فيها من يفسد فيها ) .
قوله تعالى : { وما كنتم تكتمون } . قولكم . لن يخلق الله خلقاً أكرم عليه منا ، قال ابن عباس هو أن إبليس مر على جسد آدم وهو ملقى بين مكة والطائف لا روح فيها فقال : لأمر ما خلق هذا ثم دخل في فيه وخرج من دبره وقال : إنه خلق لا يتماسك لأنه أجوف ثم قال للملائكة الذين معه : أرأيتم إن فضل هذا عليكم وأمرتم بطاعته ماذا تصنعون ؟ قالوا : نطيع أمر ربنا ، فقال إبليس في نفسه : والله لئن سلطت عليه لأهلكنه ولئن سلط علي لأعصينه فقال الله تعالى : ( وأعلم ما تبدون ) يعني ما يبديه الملائكة من الطاعة ( وما كنتم تكتمون ) يعني إبليس من المعصية .
فحينئذ قال الله : { يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ } أي : أسماء المسميات التي عرضها الله على الملائكة ، فعجزوا عنها ، { فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ } تبين للملائكة فضل آدم عليهم ، وحكمة الباري وعلمه في استخلاف هذا الخليفة ، { قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } وهو ما غاب عنا ، فلم نشاهده ، فإذا كان عالما بالغيب ، فالشهادة من باب أولى ، { وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ } أي : تظهرون { وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ }
وبعد أن بين القرآن أن الملائكة قد اعترفوا بالعجز عن معرفة ما سئلوا عنه ، وجه - سبحانه - الخطاب إلى آدم ، يأمره فيه بأن يخبر الملائكة بالأسماء التي سئلوا عنها ، ولم يكونوا على علم بها ، فقال - تعالى - :
{ قَالَ يَآءَادَمُ أَنبِئْهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّآ أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إني أَعْلَمُ غَيْبَ السماوات والأرض وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } .
ففي هذه الآية الكريمة أخبرنا الله - تعالى - أنه قد أذن لآدم في أن يخبر الملائكة بالأسماء التي فاتتهم معرفتها ليظهر لهم فضل آدم ، ويزدادوا اطمئنانا إلى أن إسناد الخلافة إليه ، إنما هو تدبير قائم على حكمة بالغة .
وعلم الغيب يختص به واجب الوجود - سبحانه لأنه هو الذي يعلم المغيبات بذاته ، وأما العلم بشيء من المغيبات الحاصل من تعليم الله فلا يقال لصاحبه إنه يعلم الغيب .
وقوله - تعالى - { أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إني أَعْلَمُ . . . } إلخ الآية ، استحضار وتأكيد لمعنى قوله قبل ذلك ، { إني أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } . وإعادة له على وجه من التفصيل أفاد أن علمه يشمل ما يظهرونه بأقوالهم أو أفعالهم ، وما يضمرونه في أنفسهم .
وفي قوله : { أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ . . . } إلخ تعريض بمعاتبتهم على ترك الأولى ، حيث بادروا بالسؤال عن الحكمة ، وكان الأولى أن يأخذوا بالأدب المناسب لمقام الألوهية ، فيتركوا السؤال عنها إلى أن يستبين لهم أمرها بوجه من وجوه العلم .
ومن الفوائد التي تؤخذ من هذه الآيات ، أن الله - تعالى - قد أظهر فيها فضل آدم - عليه السلام - من جهة أن علمه مستمد من تعليم الله له ، فإن إمداد الله له بالعلم يدل على أنه محاط منه برعاية ضافية ، ثم إن العلم الذي يحصل عن طريق النظر والفكر قد يعتريه الخلل ، ويحوم حوله الخطأ . فيقع صاحبه في الإِفساد من حيث إنه يريد الإِصلاح ، بخلاف العلم الذي يتلقاه الإِنسان من تعليم الله ، فإنه علم مطابق للواقع قطعاً ، ولا يخشى من صاحبه أن يحيد عن سبيل الإِصلاح ، وصاحب هذا العلم هو الذي يصلح للخلافة في الأرض ، ومن هنا ، كانت السياسة الشرعية أرشد من كل سياسة ، والأحكام النازلة من السماء أعدل من القوانين الناشئة في الأرض .
{ قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم } أي أعلمهم وقرئ بقلب الهمزة ياء وحذفها بكسر الهاء فيهما .
{ فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون } استحضار لقوله تعالى : { إني أعلم ما لا تعلمون } لكنه جاء به على وجه أبسط ليكون كالحجة عليه ، فإنه تعالى لما علم ما خفي عليهم من أمور السموات والأرض ، وما ظهر لهم من أحوالهم الظاهرة والباطنة علم ما لا يعلمون ، وفيه تعريض بمعاتبتهم على ترك الأولى ، وهو أن يتوقفوا مترصدين لأن يبين لهم ، وقيل : { ما تبدون } قولهم : أتجعل فيها من يفسد فيها . وما { تكتمون } استبطانهم أنهم أحقاء بالخلافة ، وأنه تعالى لا يخلق خلقا أفضل منهم وقيل : ما أظهروا من الطاعة ، وأسر إبليس منهم من المعصية ، والهمزة للإنكار دخلت حرف الجحد فأفادت الإثبات والتقرير .
واعلم أن هذه الآيات تدل على شرف الإنسان ، ومزية العلم وفضله على العبادة ، وأنه شرط في الخلافة بل العمدة فيها ، وأن التعليم يصح إسناده إلى الله تعالى ، وإن لم يصح إطلاق المعلم عليه لاختصاصه بمن يحترف به ، وأن اللغات توقيفية ، فإن الأسماء تدل على الألفاظ بخصوص أو عموم ، وتعليمها ظاهر في إلقائها على المتعلم مبينا له معانيها ، وذلك يستدعي سابقة وضع ، والأصل ينفي أن يكون ذلك الوضع ممن كان قبل آدم فيكون من الله سبحانه وتعالى ، وأن مفهوم الحكمة زائد على مفهوم العلم وإلا لتكرر قوله : { إنك أنت العليم الحكيم } وأن علوم الملائكة وكمالاتهم تقبل الزيادة ، والحكماء منعوا ذلك في الطبقة العليا منهم ، وحملوا عليه قوله تعالى : { وما منا إلا له مقام معلوم } وأن آدم أفضل من هؤلاء الملائكة لأنه أعلم منهم ، والأعلم أفضل لقوله تعالى : { هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون } وأنه تعالى يعلم الأشياء قبل حدوثها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.