لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{قَالَ يَـٰٓـَٔادَمُ أَنۢبِئۡهُم بِأَسۡمَآئِهِمۡۖ فَلَمَّآ أَنۢبَأَهُم بِأَسۡمَآئِهِمۡ قَالَ أَلَمۡ أَقُل لَّكُمۡ إِنِّيٓ أَعۡلَمُ غَيۡبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَأَعۡلَمُ مَا تُبۡدُونَ وَمَا كُنتُمۡ تَكۡتُمُونَ} (33)

من آثار العناية بآدم عليه السلام أنَّه لمَّا قال للملائكة : " أنبئوني " دَاخَلَهُم من هيبة الخطاب ما أخذهم عنهم ، لا سيما حين طالَبَهم بإنبائهم إياه ما لم تُحِطْ به علومهم . ولما كان حديث آدم عليه السلام ردَّه في الإنباء إليهم فقال : { أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ } ومخاطبة آدم عليه السلام الملائكة لم يوجب له الاستغراق في الهيبة . فلما أخبرهم آدم عليه السلام بأسماء ما تقاصرت عنها علومهم ظهرت فضيلته عليهم فقال : { أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّى أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ } يعني ما تقاصرت عنه علوم الخَلْق ، وأعلم ما تبدون من الطاعات ، وتكتمون من اعتقاد الخيرية على آدم عليه السلام والصلاة .

فصل : ولمَّا أراد الحق سبحانه أن يُنَجِيَ آدمَ عصمه ، وعلَّمه ، وأظهر عليه آثار الرعاية حتى أخبر بما أخبر به ، وحين أراد إمضاء حكمه فيه أدخل عليه النسيان حتى نَسِيَ في الحضرة عهده ، وجاوز حدَّه ، فقال الله تعالى :{ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِىَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا }[ طه : 115 ] فالوقت الذي ساعدته العناية تقدم على الجملة بالعلم والإِحسان ، والوقت الذي أمضى عليه الحكم ردَّه إلى حال النسيان والعصيان ، كذا أحكام الحق سبحانه فيما تجري وتمضي ، ذلَّ بحكمه العبيد ، وهو فعَّال لما يريد .