تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير  
{قَالَ يَـٰٓـَٔادَمُ أَنۢبِئۡهُم بِأَسۡمَآئِهِمۡۖ فَلَمَّآ أَنۢبَأَهُم بِأَسۡمَآئِهِمۡ قَالَ أَلَمۡ أَقُل لَّكُمۡ إِنِّيٓ أَعۡلَمُ غَيۡبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَأَعۡلَمُ مَا تُبۡدُونَ وَمَا كُنتُمۡ تَكۡتُمُونَ} (33)

وقوله تعالى : { قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } قال زيد بن أسلم . قال : أنت جبريل ، أنت ميكائيل ، أنت إسرافيل ، حتى عدد الأسماء كلها ، حتى بلغ الغراب .

وقال مجاهد في قول الله : { يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ } قال : اسم الحمامة ، والغراب ، واسم كل شيء .

وروي عن سعيد بن جبير ، والحسن ، وقتادة ، نحو ذلك .

فلما ظهر فضل آدم ، عليه السلام ، على الملائكة ، عليهم السلام ، في سرده ما علمه الله تعالى من أسماء الأشياء ، قال الله تعالى للملائكة : { أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } أي : ألم أتقدم إليكم أني أعلم الغيب الظاهر والخفي ، كما قال [ الله ]{[1526]} تعالى : { وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى } وكما قال تعالى إخبارا عن الهدهد أنه قال

لسليمان : { أَلا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ } .

وقيل في [ معنى ]{[1527]} قوله تعالى : { وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } غيرُ ما ذكرناه ؛ فروى الضحاك ، عن ابن عباس : { وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } قال : يقول : أعلم السر كما أعلم العلانية ، يعني : ما كَتَم إبليس في نفسه من الكِبْر والاغترار .

وقال السدي ، عن أبي مالك وعن أبي صالح ، عن ابن عباس - وعن مرة ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من الصحابة ، قال : قولهم : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا } فهذا الذي أبدوا { وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } يعني : ما أسر إبليس في نفسه من الكبر .

وكذلك قال سعيد بن جبير ، ومجاهد ، والسدي ، والضحاك ، والثوري . واختار ذلك ابن جرير .

وقال أبو العالية ، والربيع بن أنس ، والحسن ، وقتادة : هو قولهم : لم يخلق ربنا خلقا إلا كنا أعلم منه وأكرم .

وقال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس : { وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } فكان الذي أبدوا قولهم : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا } وكان الذي كتموا بينهم قولهم : لن{[1528]} يخلق ربنا خلقا إلا كنا أعلم منه وأكرم . فعرفوا أن الله فضل عليهم آدم في العلم ، والكرم .

وقال ابن جرير : حدثنا يونس ، حدثنا ابن وهب عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، في قصة الملائكة وآدم : فقال الله للملائكة : كما لم تعلموا هذه الأسماء فليس لكم علم ، إنما أردت أن أجعلهم ليفسدوا فيها ، هذا عندي قد علمته ؛ ولذلك{[1529]} أخفيت عنكم أني أجعل فيها من يعصيني ومن يطيعني ، قال : وسَبَقَ من الله { لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ } قال : ولم تعلم الملائكة ذلك ولم يدروه قال : ولما{[1530]} رأوا ما أعطى الله آدم من العلم أقروا له بالفضل{[1531]} .

وقال ابن جرير : وأولى الأقوال في ذلك قولُ ابن عباس ، وهو أن معنى قوله تعالى : { وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ } وأعلم - مع علمي غيب السماوات والأرض - ما تظهرونه بألسنتكم وما كنتم تخفون{[1532]} في أنفسكم ، فلا يخفى عَلَيَّ شيء ، سواء عندي سرائركم ، وعلانيتكم .

والذي أظهروه بألسنتهم قولهم : أتجعل فيها من يفسد فيها ، والذي كانوا يكتمون ما كان عليه منطويا إبليس من الخلاف على الله في أوامره{[1533]} ، والتكبر عن طاعته .

قال : وصح ذلك كما تقول العرب : قُتِل الجيش وهُزموا ، وإنما قتل الواحد أو البعض ، وهزم الواحد أو البعض ، فيخرج الخبر عن المهزوم منه والمقتول مخرج الخبر عن جميعهم ، كما قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ } [ الحجرات : 4 ] ذكر أن الذي نادى إنما كان واحدا من بني تميم ، قال : وكذلك قوله : { وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ }


[1526]:زيادة من أ.
[1527]:زيادة من جـ، أ، و.
[1528]:في جـ: "لم".
[1529]:في جـ، ب: "فلذلك".
[1530]:في جـ، ط: "فلما".
[1531]:تفسير الطبري (1/497).
[1532]:في أ، و: "تخفونه".
[1533]:في جـ، ط، ب: "في أمره".