قوله تعالى : { ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقاً من السموات } ، يعني : المطر ، { والأرض } ، يعني : النبات ، { شيئا } ، قال الأخفش : هو بدل من الرزق ، معناه : أنهم لا يملكون من أمر الرزق شيئاً ، قليلاً ولا كثيراً . وقال الفراء : نصب { شيئاً } ، بوقوع الرزق عليه ، أي : لا يرزق شيئاً ، { ولا يستطيعون } ، ولا يقدرون على شيء ، يذكر عجز الأصنام عن إيصال نفع أو دفع ضر .
يخبر تعالى عن جهل المشركين وظلمهم ، أنهم يعبدون من دونه آلهة اتخذوها شركاء لله ، والحال أنهم لا يملكون لهم رزقا من السماوات والأرض ، فلا ينزلون مطرا ، ولا رزقا ، ولا ينبتون من نبات الأرض شيئا ، ولا يملكون مثقال ذرة في السماوات والأرض ، ولا يستطيعون لو أرادوا ، فإن غير المالك للشيء ربما كان له قوة واقتدار على ما ينفع من يتصل به ، وهؤلاء لا يملكون ولا يقدرون .
فهذه صفة آلهتهم كيف جعلوها مع الله ، وشبهوها بمالك الأرض والسماوات ، الذي له الملك كله ، والحمد كله ، والقوة كلها ؟ "
والمراد بقوله سبحانه : { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله . . . . . } كل معبود سوى الله - تعالى - من صنم أو وثن أو غير ذلك من المعبودات الباطلة . والجملة الكريمة داخلة تحت مضمون الاستفهام الإنكاري ، ومعطوفة عليه : وهو قوله - تعالى - : { أفبالباطل يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ الله هُمْ يَكْفُرُونَ } ، أي : أن هؤلاء الجاحدين لنعم الله - تعالى - ، بلغ من جهالتهم وسفاهاتهم أنهم يؤمنون بالباطل ، ويكفرون بالحق ، ويعبدون من دون الله - تعالى - أصناما وأوثانا لا تملك لعابدها أي شيء من الرزق ، فهي لا تنزل مطرا من السماء ، ولا تخرج نباتا من الأرض ، ولا تستطيع أن تنفع أو تضر . .
و " ما " في قوله - تعالى - : { مَا لاَ يَمْلِكُ . . } ، كناية عن معبوداتهم الباطلة ، فهي مفردة لفظا ، مجموعة معنى .
والتنكير فى قوله - سبحانه - : { رزقا } ؛ للإشعار بقلته وتفاهته ، وأن معبوداتهم لا تملك لهم أي شيء من الرزق ، حتى ولو كان تافها حقيرا .
وقوله : { شيئا } ، منصوب على المصدر ، أي : ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم ملكا ، أي : شيئا من الملك .
والضمير فى قوله : { ولا يستطيعون } ، يعود إلى { ما } ، وجمع بصيغة العقلاء بناء على زعمهم الفاسد ، من أن هذه الأصنام في إمكانها النفع والضر . وجاءت جملة { ولا يستطيعون } ، بعد قوله - تعالى - : { مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِّنَ السماوات والأرض . . } ؛ لتأكيد عجز هذه المعبودات عن فعل أي شيء فهي لا تملك شيئا ، وليس في استطاعتها أن تملك ؛ لأنها ليست أهلا لذلك .
يقول تعالى إخبارا عن المشركين الذين عبدوا معه غيره ، مع أنه هو المنعم المتفضل الخالق الرازق وحده لا شريك له ، ومع هذا يعبدون من دونه من الأصنام والأنداد والأوثان { مَا لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ شَيْئًا } ، أي : لا يقدر على إنزال مطر ، ولا إنبات زرع ولا شجر ، ولا يملكون ذلك ، أي : ليس لهم{[16591]} ذلك ، ولا يقدرون عليه لو أرادوه ، ولهذا قال تعالى : { فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأمْثَالَ } .
عطف على جملتي التّوبيخ وهو مزيد من التّوبيخ فإن الجملتين المعطوف عليهما أفادتا توبيخاً على إيمانهم بالآلهة الباطل وكفرهم بنعمة المعبود الحقّ .
وهذه الجملة المعطوفة أفادت التّوبيخ على شكر ما لا يستحقّ الشكر ، فإن العبادة شكر ، فهم عبدوا ما لا يستحقّ العبادة ولا بيده نعمة ، وهو الأصنام ، لأنها لا تملك ما يأتيهم من الرزق لاحتياجها ، ولا تستطيع رزقهم لعجزها . فمفاد هذه الجملة مؤكّد لمفاد ما قبلها مع اختلاف الاعتبار بموجب التّوبيخ في كلتيهما .
وملك الرزق القدرة على إعطائه . والملِك يطلق على القدرة ، كما تقدم في قوله تعالى : { قل فمن يملك من الله شيئاً إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم } في سورة العقود ( 17 ) .
والرزق هنا مصدر منصوب على المفعوليّة ، أي لا يملك أن يرزق .
ومِن } في { من السموات والأرض } ابتدائية ، أي رزقاً موصوفاً بوروده من السماوات والأرض .
و { شيئاً } مبالغة في المنفيّ ، أي ولا يملكون جزءاً قليلاً من الرزق ، وهو منصوب على البدلية من { رزقاً } . فهو في معنى المفعول به كأنه قيل : لا يملك لهم شيئاً من الرزق .
{ ولا يستطيعون } عطف على { يملك } ، فهو من جملة صلة { ما } ، فضمير الجمع عائد إلى { ما } الموصولة باعتبار دلالتها على جماعة الأصنام المعبودة لهم . وأجريت عليها صيغة جمع العقلاء مجاراة لاعتقادهم أنها تعقل وتشفع وتستجيب .
وحذف مفعول { يستطيعون } لقصد التعميم ، أي لا يستطيعون شيئاً لأن تلك الأصنام حجارة لا تقدر على شيء . والاستطاعة : القدرة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.