قوله - تعالى- : { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً } ، الآية لمَّا شرح الدَّلائل الدالة على صحَّة التَّوحيد ، وأتبعها بذكر أقسام النِّعم العظيمة ، أتبعها بالردِّ على عبدة الأصنام ؛ قال : { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِّنَ السماوات } ، يعني : المطر والأرض ، ويعني النَّبات والثِّمار .
قوله تعالى : { مِّنَ السماوات } فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه متعلق ب " يَمْلِكُ " ، وذلك على الإعرابين الأولين في نصب " شَيْئاً " .
الثاني : أنه متعلق بمحذوف ، على أنه صفة ل " رِزْقاً " .
الثالث : أن يتعلق بنفس " رِزْقاً " إن جعلناه مصدراً .
وقال ابن عطية{[19978]} - بعد أن ذكر إعمال المصدر منوناً- : والمصدر يعمل مضافاً باتِّفاق ؛ لأنه في تقدير الانفصال ، ولا يعمل إذا دخله الألف واللاَّم ؛ لأنه قد توغَّل في حال الأسماء وبعد عن الفعليَّة ، وتقدير الانفصال في الإضافة حسن عمله ؛ وقد جاء عاملاً مع الألف واللام في قول الشاعر : [ المتقارب ]
ضَعِيفُ النِّكايَةِ أعْدَاءَهُ *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . {[19979]}
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** . . . . . . . . . . فَلمْ أنْكُلْ عَنِ الضَّرْبِ مِسْمَعَا{[19980]}
قال أبو حيَّان : أما قوله : " باتِّفاقٍ " ، إن عنى به من البصريين ، فصحيحٌ ، وإن عنى به من النَّحويين ، فليس بصحيح ؛ إذْ قد ذهب بعضهم إلى أنَّه وإن أضيف لا يعمل ، فإن وجد بعده منصوب أو مرفوع قدَّر له عاملاً ، وأما قوله : " في تقدير الانفصال " ، فليس كذلك ، إلا أن تكون إضافته غير محضة ؛ كما قال به ابن الطراوة وابن برهان ، ومذهبهما فاسد ؛ لأن هذا المصدر قد نعت وأكد بالمعرفة ، وقوله : " لا يعمل . . . إلى آخره " ناقضه بقوله : " وقد جاء عاملاً . . . إلى آخره " .
قال شهاب الدِّين{[19981]} : فغاية ما في هذا أنَّه نحا إلى أقوال قال بها غيره ، وأمَّا المناقضة ، فليست صحيحة ؛ لأنه عنى أولاً : أنَّه لا يعمل في السَّعة ، وثانياً : أنه قد جاء عاملاً في الضرورة ، ولذلك قيَّده فقال : " في قول الشَّاعر " .
قوله : " شَيْئاً " ، فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه منصوبٌ على المصدر ، أي : لا يملك لهم ملكاً ، أي : شيئاً من الملك .
والثاني : أنه بدلٌ من " رِزْقاً " ، أي : لا يملك لهم رزقاً شيئاً ، وهذا غير مقيَّد ؛ إذ من المعلوم أن الرزق شيء من الأشياء ، ويؤيِّد ذلك أن البدل يأتي لأحد معنيين : البيان أو التَّأكيد ، وهذا ليس فيه بيان ؛ لأنه أعمٌّ ، ولا تأكيد .
الثالث : أنه منصوب ب " رِزْقاً " ، على أنه اسمُ مصدر ، واسم المصدر يعمل عمل المصدر ، على خلاف في ذلك .
ونقل مكِّي : أن اسم المصدر لا يعمل عند البصريين إلا في شعر ، وقد اختلف النقلة عن البصريِّين ؛ فمنهم من نقل المنع ، ومنهم من نقل الجواز .
وقد ذكر الفارسي انتصابه ب " رِزْقاً " كما تقدَّم .
ورد عليه ابن الطراوة : بأن الرِّزق اسم المرزوق ، كالرِّعي ، والطحن . وردَّ على ابن الطراوة ؛ بأنّ الرزق بالكسر أيضاً مصدر ، وقد سمع فيه ذلك ، وظاهر هذا أنه مصدر بنفسه لا اسم مصدر .
قوله تعالى : { وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ } ، يجوز في الجملة وجهان :
العطف على صلة " مَا " ، والإخبار عنهم بنفي الاستطاعة على سبيل الاستئناف ، ويكون قد جمع الضمير العائد على " مَا " باعتبار معناها ؛ إذ المراد بذلك آلهتهم .
ويجوز أن يكون الضمير عائداً على العابدين .
فإن قيل : قال - تعالى - : { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَمْلِكُ } ، فعبَّر عن الأصنام بصيغة " ما " ، وهي لغير العاقل ، ثم جمع بالواو والنون فقال : " ولا يَسْتَطِيعُون " ، وهو مختص بأولي العلم . فالجواب : أنه عبَّر عنها بلفظ " مَا " اعتباراً باعتقادهم أنَّها آلهة ، والفائدة في قوله : " ولا يَسْتَطِيعُونَ " : أنَّ من لا يملك شيئاً قد يوصف باستطاعته أن يمتلكه بطريقٍ من الطرق . فبيَّن - تعالى - أنَّ هذه الأصنام لا تملك ، وليس لها استطاعة تحصيل الملك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.