معاني القرآن للفراء - الفراء  
{وَيَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَمۡلِكُ لَهُمۡ رِزۡقٗا مِّنَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ شَيۡـٔٗا وَلَا يَسۡتَطِيعُونَ} (73)

وقوله : { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ما لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِّنَ السَّماوَاتِ وَالأَرْضِ شَيْئاً73 } .

نصبت ( شيئاً ) ، بوقوع الرزق عليه ، كما قال تبارك وتعالى : { أَلَمْ نَجْعَل الأَرْضَ كَفَاتاً أَحْيَاء وَأَمْوَاتاً } ، أي : تكفِت الأحياء والأمْوَات . ومثله : { أَوْ إِطْعَامٌ في يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَة يَتِيما } ، ولو كان الرزق مع الشيء لجاز خفضه : لا يملك لهم رزقَ شيء من السموات . ومثله قراءة من قرأ : { فَجَزَاء مِثْلِ ما قَتَلَ مِنَ النِّعَمِ } .

وقوله : { وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ } ، وقال في أوَّل الكلام : ( يَمْلِكُ ) ، وذلك أن ( ما ) ، في مذهب جَمْع لآلهتهم التي يعبدون ، فوُحِّد ( يَملك ) ، على لفظ ( ما ) وتوحيدها ، وجُمِع في : ( يستطيعون ) ، على المعنى .

ومثله قوله : { وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ } ، وفي موضع آخر : { وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُون إليك } ، ومثله : { وَمَنْ يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالحا } ، و { يَعملْ صَالحا } ، فمن ذكره ، رَدّ آخره على أوَّله ، ومن أنَّث ، ذهب إلى أن ( مَن ) في موضع تأنيث ، فذهب إلى تأنيثها . وأنشدنا بعضُ العرب :

هَيَا أُمَّ عمرو مَن يكن عُقْرَ دارِه *** جِوَاء عَدِيّ يأكلِ الحشرات

ويسودَّ من لفْح السموم جَبينُهُ *** ويَعْرَ وإن كانوا ذوي نَكَرات

فرجع في : ( كانوا ) إلى معنى الجمع ، وفي قراءة عبد الله - فيما أعلم - ( ومِنْكُمْ من يكون شُيُوخاً ) ، ولم يقل : ( شَيْخاً ) ، وقد قال الفرزدق :

تَعَشَّ فإن واثقتني لا تخونُني *** نكن مثل مَن يا ذئب يصطحبان

وأنت امرؤ يا ذئب والغدرُ كنتما *** أُخَيَّيْنِ كانا أُرضِعا بِلِبان

فثنّى : ( يصطحبان ) ، وهو فعل لمَنْ ؛ لأنه نواه ونفسَه .