السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَيَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَمۡلِكُ لَهُمۡ رِزۡقٗا مِّنَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ شَيۡـٔٗا وَلَا يَسۡتَطِيعُونَ} (73)

ولما شرح الله تعالى الدلائل على صحة التوحيد ، وأتبعها بذكر أقسام النعم العظيمة ، أتبعها بالرد على عبدة الأصنام فقال : { ويعبدون من دون الله } ، أي : غيره . { ما لا يملك لهم رزقاً } ، أي : تاركين عبادة من بيده جميع الأرزاق ، وهو ذو العلو المطلق الذي رزقهم من الطيبات ويعبدون غيره ، ثم بين تعالى جهة الرزق بقوله تعالى : { من السماوات والأرض } ، أمّا الرزق الذي يأتي من جانب السماء فالمطر ، وأمّا الذي من جانب الأرض فالنبات والثمار التي تخرج منها ، وقوله تعالى : { شيئاً } ، فيه ثلاثة أوجه : أحدها : أنه منصوب على المصدر ، أي : لا يملك لهم ملكاً ، أي : شيئاً من الملك . والثاني : أنه بدل من رزقاً ، أي : لا يملك لهم شيئاً . قال ابن عادل : وهذا غير مفيد ؛ إذ من المعلوم أنّ الرزق شيء من الأشياء ، ويؤيد ذلك أنّ البدل لا يأتي إلا لأحد معنيين : البيان أو التأكيد ، وهذا ليس فيه بيان ؛ لأنه أعمّ ولا تأكيد . الثالث : أنه منصوب على أنه اسم مصدر ، واسم المصدر يعمل عمل المصدر على خلاف في ذلك .

ولما كان من لا يملك شيئاً قد يكون موصوفاً باستطاعة أن يتملك بطريق من الطرق ، نفى الله تعالى عنهم ذلك بقوله تعالى : { ولا يستطيعون } ، أي : وليس لهم نوع استطاعة أصلاً . فإن قيل : إنه تعالى قال : { ويعبدون من دون الله ما لا يملك } ، فعبر عن الأصنام بصيغة " ما " : وهي لغير العاقل ، ثم جمع بالواو والنون . وقال : { ولا يستطيعون } ، وهو مختص بمن يعقل ؟ أجيب : بأنه عبر عنها ثانياً ، اعتباراً باعتقادهم أنها آلهة .