معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَا تَمۡشِ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَحًاۖ إِنَّكَ لَن تَخۡرِقَ ٱلۡأَرۡضَ وَلَن تَبۡلُغَ ٱلۡجِبَالَ طُولٗا} (37)

قوله تعالى : { ولا تمش في الأرض مرحاً } ، أي بطراً وكبراً وخيلاء ، وهو تفسير المشي ، فلذلك أخرجه على المصدر ، { إنك لن تخرق الأرض } أي : لن تقطعها بكبرك حتى تبلغ آخرها ، { ولن تبلغ الجبال طولاً } أي : لا تقدر أن تطاول الجبال وتساويها بكبرك . معناه : أن الإنسان لا ينال بكبره وبطره شيئاً ، كمن يريد خرق الأرض ومطاولة الجبال لا يحصل على شيء . وقيل : ذكر ذلك لأن من مشى مختالاً يمشي مرة على عقبيه ومرة على صدور قدميه ، فقيل له : إنك لن تنقب الأرض إن مشيت على عقبيك ، ولن تبلغ الجبال طولاً إن مشيت على صدور قدميك .

أخبرنا أبو محمد عبد الله بن عبد الصمد الجوزجاني ، أنبأنا أبو القاسم علي بن أحمد الخزاعي ، أنبأنا الهيثم بن كليب ، حدثنا أبو عيسى الترمذي ، حدثنا سفيان بن وكيع ، حدثنا أبي ، عن المسعودي ، عن عثمان بن مسلم بن هرمز ، عن نافع بن جبير بن مطعم ، عن علي قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مشى يتكفأ تكفؤاً ، كأنما ينحط من صبب " .

أخبرنا أبو محمد الجرجاني ، أنبأنا أبو القاسم الخزاعي ، أنبأنا الهيثم بن كليب ، حدثنا أبو عيسى الترمذي ، حدثنا قتيبة بن سعد ، حدثنا ابن لهيعة ، عن أبي يونس ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " ما رأيت شيئا أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كأن الشمس تجري في وجهه ، وما رأيت أحداً أسرع في مشيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما الأرض تطوى له ، إنا لنجهد أنفسنا ، وإنه لغير مكترث " .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَا تَمۡشِ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَحًاۖ إِنَّكَ لَن تَخۡرِقَ ٱلۡأَرۡضَ وَلَن تَبۡلُغَ ٱلۡجِبَالَ طُولٗا} (37)

{ 37-39 } { وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا * كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا * ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا }

يقول تعالى : { وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا } أي : كبرا وتيها وبطرا متكبرا على الحق ومتعاظما على الخلق .

{ إِنَّكَ } في فعلك ذلك { لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا } في تكبرك بل تكون حقيرا عند الله ومحتقرا عند الخلق مبغوضا ممقوتا قد اكتسبت أشر الأخلاق واكتسيت أرذلها من غير إدراك لبعض ما تروم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَا تَمۡشِ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَحًاۖ إِنَّكَ لَن تَخۡرِقَ ٱلۡأَرۡضَ وَلَن تَبۡلُغَ ٱلۡجِبَالَ طُولٗا} (37)

ثم ينتقل القرآن الكريم من النهى عن أن يتبع الإِنسان ما لا علم له به ، إلى النهى عن التفاخر والتكبر والإِعجاب فى النفس فيقول : { وَلاَ تَمْشِ فِي الأرض مَرَحاً . . . } .

والمرح فى الأصل : شدة الفرح ، والتوسع فيه ، مع الخيلاء والتعالى على الناس ، يقال : مرح - بزنة فرح - يمرح مرحا ، إذا اشتد فرحه ومشى مشية المتكبرين . وهو مصدر وقع موقع الحال .

أى : ولا تمش - أيها الانسان - فى الأرض مشية الفخور المتكبر المختال بل كن متواضعا متأدبا بأدب الإِسلام فى سلوكك .

وتقييد النهى بقوله { فى الأرض } للتذكير بالمبدأ والمعاد ، المانعين من الكبر والخيلاء ، إذ من الأرض خلق وإليها يعود ، ومن كان كذلك كان جديرا به أن يتواضع لا أن يتكبر .

قال - تعالى - : { مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أخرى } وقوله - سبحانه - : { إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأرض وَلَن تَبْلُغَ الجبال طُولاً } تعليل للنهى عن التفاخر مع السخرية والتهكم من المتفاخر المغرور .

أى : إنك - أيها الماشى فى الأرض مرحا - لن تخرق الأرض بوطئك عليها ، أو بمشيك فوقها ، ولن تبلغ - مهما ارتفعت قامتك - الجبال فى الطول والعلو . وما دام شأنك كذلك ، فكن متواضعا ، فمن تواضع لله - تعالى - رفعه .

وقوله { طولا } تمييز محول عن الفاعل . أى : لن يبلغ طولك الجبال .

وشبيه بهذه الآية فى النهى عن التعالى والتطاول ، قوله - تعالى - : { وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي الأرض مَرَحاً إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } وقد أمر النبى صلى الله عليه وسلم بالتواضع ، ونهى عن التكبر والغرور ، وبين سوء عاقبة ذلك فى أحاديث كثيرة ، منها ما رواه مسلم فى صحيحه عن عياض بن حمار قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله - تعالى - أوحى إلى أن تواضعوا ، حتى لا يفخر أحد على أحد ، ولا يبغى أحد على أحد " .

وروى الشيخان عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بطرا " .

وروى الترمذى عن سلمة بن الأكوع قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يزال الرجل يذهب بنفسه - أى يرتفع ويتكبر - حتى يكتب فى الجبارين - فيصيبه ما أصابهم " .

ورحم الله القائل :

ولا تمش فوق الأرض إلا تواضعا . . . فكم تحتها قوم همو منك أرفع

وإن كنت فى عز وحِرْزٍ ومَنْعَة . . . فكم مات من قوم همو منك أمنع

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَا تَمۡشِ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَحًاۖ إِنَّكَ لَن تَخۡرِقَ ٱلۡأَرۡضَ وَلَن تَبۡلُغَ ٱلۡجِبَالَ طُولٗا} (37)

يقول تعالى ناهيًا عباده ، عن التَّجَبّر والتبختر في المشية : { وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا } أي : متبخترًا متمايلا مشي الجَبَّارين { إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأرْضَ } أي : لن تقطع الأرض بمشيتك{[17496]} قاله ابن جرير ، واستشهد عليه بقول رُؤبة بن العَجَّاج :

وقَاتِم الأعْمَاق خَاوي المُخترقْ{[17497]}

وقوله [ تعالى ]{[17498]} : { وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا } أي : بتمايلك وفخرك وإعجابك بنفسك ، بل قد يجازى فاعل ذلك بنقيض{[17499]} قصده . كما ثبت في الصحيح : " بينما رجل يمشي فيمن كان قبلكم ، وعليه بُرْدَان يتبختر فيهما ، إذ خُسِف به الأرض ، فهو يتجلجل{[17500]} فيها إلى يوم القيامة " {[17501]} .

وكذلك{[17502]} أخبر الله [ تعالى ]{[17503]} عن قارون أنه خرج على قومه في زينته ، وأن الله تعالى خسف به وبداره الأرض ، وفي الحديث : " من تواضع لله رفعه الله ، فهو في نفسه حقير وعند الناس كبير ، ومن استكبر وضعه الله ، فهو في نفسه كبير وعند الناس حقير ، حتى لهو أبغض إليهم من الكلب أو الخنزير " {[17504]} .

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا في كتاب " الخمول والتواضع " : حدثنا أحمد بن إبراهيم بن كثير ، حدثنا حجاج بن محمد ، بن أبي بكر الهذلي قال : بينما نحن مع الحسن ، إذ مَر عليه ابن الأهتم{[17505]} - يريد المنصور - وعليه جبَابُ خَزّ قد نُضّد{[17506]} بعضها فوق بعض على ساقه ، وانفرج عنها قباؤه ، وهو يمشي ويتبختر ، إذ نظر إليه الحسن نظرة فقال : أف أف ، شامخ بأنفه ، ثان عطفه ، مصعر خده ، ينظر في عطفيه ، أيّ حُمَيْق ينظر في عطفه في نِعَم غير مشكورة ولا مذكورة ، غير المأخوذ بأمر الله فيها ، ولا المؤدّى حقّ الله منها ! والله إن يمشي أحدهم طبيعته يتلجلج تلجلج المجنون ، في كل عضو منه نعمة ، وللشيطان به لعنة ، فسمعه ابن الأهتم{[17507]} فرجع يعتذر إليه ، فقال : لا تعتذر إلي ، وتب إلى ربك ، أما سمعت قول الله تعالى : { وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا }{[17508]} .

ورأى البختريّ العابدُ رجلا من آل علي يمشي وهو يخطِر في مشيته ، فقال له : يا هذا ، إن الذي أكرمك به لم تكن هذه مشيته ! قال : فتركها الرجل بعد .

ورأى ابن عمر رجلا يخطر في مشيته ، فقال : إن للشياطين إخوانًا .

وقال : خالد بن مَعْدان : إياكم والخَطْر ، فإن الرّجل يَدُه من سائر{[17509]} جسده . رواهما ابن أبي الدنيا .

وقال : ابن أبي الدنيا : حدثنا خلف بن هشام البزار ، حدثنا حماد بن زيد ، عن{[17510]} يحيى ، عن سعيد ، عن يُحَنَّس قال : قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا مشت أمتي المطيطاء ، وخدمتهم فارس والروم ، سلط بعضهم على بعض " {[17511]} .


[17496]:في ت، ف: "بمشيك".
[17497]:تفسير الطبري (15/63).
[17498]:زيادة من ت.
[17499]:في ت: "ببعض".
[17500]:في ت: "يتخلل".
[17501]:صحيح البخاري برقم (5789) وصحيح مسلم برقم (2088) من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه.
[17502]:في أ: "ولذلك".
[17503]:زيادة من ف.
[17504]:رواه أبو نعيم في الحلية (7/129) والخطيب في تاريخ بغداد (2/110) من طريق سعيد بن سلام، عن الثوري عن الأعمش، عن إبراهيم بن عابس، عن ربيعة، عن عمر بن الخطاب بنحوه وقال: "غريب من حديث الثوري، تفرد به سعيد بن سلام، وهو كذاب".
[17505]:في هـ، ت، ف: "ابن الأهيم"، والصواب ما أثبتناه من الخمول والتواضع لابن أبي الدنيا.
[17506]:في ت، ف: "فضل".
[17507]:في هـ ت، ف: "ابن الأهيم"، والصواب ما أثبتناه من الخمول والتواضع.
[17508]:الخمول والتواضع برقم (237).
[17509]:في ت، ف، أ: "من دون سائر".
[17510]:في ف: "بن".
[17511]:الخمول والتواضع برقم (249) وهو مرسل، وجاء من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، رواه الترمذي في السنن برقم (2261) من طريق زيد بن الحباب عن موسى بن عبيدة عن عبد الله بن دينار عنه، ولفظ آخره "سلط الله شرارها على خيارها" وقال الترمذي: "هذا حديث غريب"
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَا تَمۡشِ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَحًاۖ إِنَّكَ لَن تَخۡرِقَ ٱلۡأَرۡضَ وَلَن تَبۡلُغَ ٱلۡجِبَالَ طُولٗا} (37)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلاَ تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحاً إِنّكَ لَن تَخْرِقَ الأرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً * كُلّ ذَلِكَ كَانَ سَيّئُهُ عِنْدَ رَبّكَ مَكْرُوهاً } .

يقول تعالى ذكره : ولا تمش في الأرض مختالاً مستكبرا إنّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأرْضَ يقول : إنك لن تقطع الأرض باختيالك ، كما قال رُؤْبة :

*** وقاتِمِ الأعماقِ خاوِي المُخْتَرَق ***

يعني بالمخترق : المقطع وَلَنْ تَبلُغَ الجِبالَ طُولاً بفخرك وكبرك ، وإنما هذا نهي من الله عباده عن الكبر والفخر والخُيَلاء ، وتقدم منه إليهم فيه معرّفهم بذلك أنهم لا ينالون بكبرهم وفخارهم شيئا يقصر عنه غيرهم . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحا إنّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الجِبالِ طُولاً يعني بكبرك ومرحك .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحا قال : لا تمش في الأرض فخرا وكبرا ، فإن ذلك لا يبلغ بك الجبال ، ولا تخرق الأرض بكبرك وفخرك .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ قال : لا تفخر .

وقيل : لا تمش مرَحا ، ولم يقل مرِحا ، لأنه لم يرد بالكلام : لا تكن مرِحا ، فيجعله من نعت الماشي ، وإنما أريد لا تمرح في الأرض مرَحا ، ففسر المعنى المراد من قوله : ولا تمش ، كما قال الراجز :

يُعْجِبُهُ السّخُونُ والعَصِيدُ *** والتّمْرُ حَبّا ما لَهُ مَزيدُ

فقال : حبا ، لأن في قوله : يعجبه ، معنى يحبّ ، فأخرج قوله : حبا ، من معناه دون لفظه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَا تَمۡشِ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَحًاۖ إِنَّكَ لَن تَخۡرِقَ ٱلۡأَرۡضَ وَلَن تَبۡلُغَ ٱلۡجِبَالَ طُولٗا} (37)

نهي عن خصلة من خصال الجاهلية ، وهي خصلة الكبرياء ، وكان أهل الجاهلية يتعمدونها . وهذه الوصية الخامسة عشرة .

والخطاب لغير معين ليعم كل مخاطب ، وليس خطاباً للنبيء صلى الله عليه وسلم إذ لا يناسب ما بَعده .

والمَرح بفتح الميم وفتح الراء : شدة ازدهاء المرء وفرحه بحاله في عظمة الرزق . و { مرحاً } مصدر وقع حالاً من ضمير { تمش } . ومجيء المصدر حالاً كمجيئه صفة يرد منه المبالغة في الاتصاف . وتأويله باسم الفاعل ، أي لا تمش مارحاً ، أي مشية المارح ، وهي المشية الدالة على كبرياء الماشي بتمايل وتبختُر . ويجوز أن يكون { مرحاً } مفعولاً مطلقاً مبيناً لفعل { تمش } لأن للمشي أنواعاً ، منها : ما يدلّ على أن صاحبه ذو مَرح . فإسناد المرح إلى المشي مجاز عقلي . والمشي مرحاً أن يكون في المشي شدة وطْء على الأرض وتطاول في بَدن الماشي .

وجملة { إنك لن تخرق الأرض } استئناف ناشىء عن النهي بتوجيه خطاب ثاننٍ في هذا المعنى على سبيل التهكم ، أي أنك أيها الماشي مرَحاً لا تخرق بمشيك أديم الأرض ، ولا تبلغ بتطاولك في مشيك طول الجبال ، فماذا يغريك بهذه المِشية .

والخَرْق : قطع الشيء والفصل بين الأديم ، فخرق الأرض تمزيق قشر التراب . والكلام مستعمل في التغليظ بتنزيل الماشي الواطىء الأرض بشدة منزلة من يبتغي خرق وجه الأرض وتنزيله في تطاوله في مشيه إلى أعلى منزلة من يريد أن يبلغ طول الجبال .

والمقصود من التهكم التشنيع بهذا الفعل . فدل ذلك على أن المنهي عنه حرام لأنه فساد في خلق صاحبه وسوء في نيته وإهانة للناس بإظهار الشفوف عليهم وإرهابهم بقوته . وعن عمر بن الخطاب : أنه رأى غلاماً يتبختر في مشيته فقال له : « إن البخترة مشية تُكره إلا في سبيل الله » يعني لأنها يرهب بها العَدو إظهاراً للقوة على أعداء الدين في الجهاد .

وإظهار اسم ( الأرض ) في قوله : { لن تخرق الأرض } دون إضمار ليكون هذا الكلام مستقلاً عن غيره جارياً مجرى المثل .