تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلَا تَمۡشِ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَحًاۖ إِنَّكَ لَن تَخۡرِقَ ٱلۡأَرۡضَ وَلَن تَبۡلُغَ ٱلۡجِبَالَ طُولٗا} (37)

الآية37 : وقوله تعالى : { ولا تمش في الأرض مرحا } ليس النهي عن المشي( نفسه إنما النهي ){[10887]} للمشي المرح . ثم النهي عن الشيء ، يوجب ضده ، وكذلك الأمر بضده ، وكذلك الأمر . ثم إن النهي عن الشيء ، يوجب الأمر بضده ، وههنا نهي عن المرح ، فيكون أمرا بما ذكر{ وعباد الرحمان الذين يمشون على الأرض هونا }( الفرقان : 63 )وقال بعضهم : { مرحا } بطرا وأشرا ، وقيل : متعظما متكبرا بالخيلاء .

وقوله تعالى : { إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا } قال بعضهم : ذكر خرق الأرض وبلوغ الجبال طولا لأن من الخلائق من يخرق الأرض ويدخلها ، ويبلغ الجبال ، وهم الملائكة ، ثم لم يتكبروا على الله ، ولا تعظموا عليه ولا على رسوله ، بل خضعوا له ، فمن لم يبلغ في القوة والشدة ذلك أحرى أن يخضع له ، ويتواضع ، ولا يتكبر .

ويحتمل أن يكون ذكر هذا لما أنهم كانوا يسعون في إطفاء هذا الدين وقهر رسول الله صلى الله ليه وسلم فيقول : كما لم يتهيأ لكم خرق الأرض وبلوغ الجبال طولا لم يتهيأ لكم إطفاء دين الله وقهر رسوله ، وهو ما ذكر : { إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه }( غافر : 56 )أو يذكر هذا ، فيقول{[10888]} : إنك لن تبلغ بكبرك و عظمتك مرتبة الرؤساء والقادة ومنزلتهم . على هذا التمثيل يحتمل أن يخرج . والله أعلم ، أو يقول : { إنك لن تخرق الأرض } أي لا تقدر أن تخرق الأرض ، ما فيها من الكنوز والمنافع ، فتنتفع بها ، ولا تقدر أن تبلغ الجبال طولا ، فتنتفع بما في رؤوس الجبال من المنافع . وكيف تتكبر ، وتمرح على غيرك ، وهو مثلك في القوة والشدة .

وأصل الكبر أن من عرف نفسه على ما هي عليه من الأحداث والآفات وأنواع الحوائج لم يتكبر على مثله والله أعلم .


[10887]:من م، ساقطة من الأصل.
[10888]:الفاء ساقطة من الأصل و.م.