البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَلَا تَمۡشِ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَحًاۖ إِنَّكَ لَن تَخۡرِقَ ٱلۡأَرۡضَ وَلَن تَبۡلُغَ ٱلۡجِبَالَ طُولٗا} (37)

المرح شدّة الفرح ، يقال : مرح يمرح مرحاً .

الطول ضد القصر ، ومنه الطول خلاف العرض .

وانتصب { مرَحاً } على الحال أي { مرَحاً } كما تقول : جاء زيد ركضاً أي راكضاً أو على حذف مضاف أي ذا مرح ، وأجاز بعضهم أن يكون مفعولاً من أجله أي { ولا تمش في الأرض } للمرح ولا يظهر ذلك ، وتقدم أن المرح هو السرور والاغتباط بالراحة والفرح وكأنه ضمن معنى الاختيال لأن غلبة السرور والفرح يصحبها التكبر والاختيال ، ولذلك بقوله علل { إنك لن تخرق الأرض } .

وقرأت فرقة فيما حكي يعقوب : { مرحاً } بكسر الراء وهو حال أي لا تمش متكبراً مختالاً .

قال مجاهد : لن تخرق بمشيك على عقبيك كبراً وتنعماً ، { ولن تبلغ الجبال } بالمشي على صدور قدميك تفاخراً و { طولاً } والتأويل أن قدرتك لا تبلغ هذا المبلغ فيكون ذلك وصلة إلى الاختيال .

وقال الزجاج : { لا تمش في الأرض } مختالاً فخوراً ، ونظيره : { وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً } و { اقصد في مشيك ولا تمش في الأرض مرحاً إن الله لا يحب كل مختال فخور } وقال الزمخشري : { لن تخرق الأرض } لن تجعل فيها خرقاً بدوسك لها وشدّة وطئك ، { ولن تبلغ الجبال طولاً } بتطاولك وهو تهكُّم بالمختال .

وقرأ الجراح الأعرابي : { لن تخرق } بضم الراء .

قال أبو حاتم : لا تعرف هذه اللغة .

وقيل : أشير بذلك إلى أن الإنسان محصور بين جمادين ضعيف عن التأثير فيهما بالخرق وبلوغ الطول ومن كان بهذه المثابة لا يليق به التكبر .

وقال الشاعر :

ولا تمش فوق الأرض إلا تواضعا ***فكم تحتها قوم هم منك أرفع

والأجود انتصاب قوله { طولاً } على التمييز ، أي لن يبلغ طولك الجبال .

وقال الحوفي : { طولاً } نصب على الحال ، والعامل في الحال { تبلغ } ويجوز أن يكون العامل تخرق ، و { طولاً } بمعنى متطاول انتهى .

وقال أبو البقاء : { طولاً } مصدر في موضع الحال من الفاعل أو المفعول ، ويجوز أن يكون تمييزاً ومفعولاً له ومصدراً من معنى تبلغ انتهى .

وقرأ الحرميان وأبو عمرو وأبو جعفر والأعرج سيئة بالنصب والتأنيث .