نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَلَا تَمۡشِ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَحًاۖ إِنَّكَ لَن تَخۡرِقَ ٱلۡأَرۡضَ وَلَن تَبۡلُغَ ٱلۡجِبَالَ طُولٗا} (37)

ولما كان الكبر والأنفة أعظم موقف عن العلم الداعي إلى كل خير ، ومرض بمرض الجهل الحامل على كل شر ، قال تعالى : { ولا تمش } أي مشياً ما ، وحقق المعنى بقوله تعالى : { في الأرض } أي جنسها { مرحاً } وهو شدة الفرح التي يلزمها الخيلاء ، لأن ذلك من رعونات النفس بطيش الهوى وداعي الشهوة وما طبعت عليه من النقائص ، فإنه لا يحسن إلا بعد بلوغ جميع الآمال التي تؤخذ بالجد ولن يكون ذلك لمخلوق ، ولذلك علله بقوله تعالى : { إنك لن تخرق } أي ولو بأدنى الوجوه { الأرض } أي تقطعها سيراً من مكانك إلى طرفها { ولن تبلغ } أي بوجه من الوجوه { الجبال طولاً * } أي طول الجبال كلها بالسير فيها ، فإذا كنت تعجز في قدرتك وعلمك عن خط مستقيم من عرض الأرض مع الجد والاجتهاد وعن التطاول على أوتادها فبماذا تفخر ؟ وبأيّ شيء تتكبر حتى تتبختر ؟ وذلك من فعل من بلغ جميع ما أمل ؛