معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{لَن تَنفَعَكُمۡ أَرۡحَامُكُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُكُمۡۚ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يَفۡصِلُ بَيۡنَكُمۡۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (3)

قوله تعالى : { لن تنفعكم أرحامكم } معناه : لا يدعونكم ولا يحملنكم ذوو أرحامكم وقراباتكم وأولادكم الذين بمكة إلى خيانة الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وترك مناصحتهم وموالاة أعدائهم فلن تنفعكم أرحامكم ، { ولا أولادكم } الذين عصيتم الله لأجلهم ، { يوم القيامة يفصل بينكم } فيدخل أهل طاعته الجنة وأهل معصيته النار .

قرأ عاصم ويعقوب يفصل بفتح الياء وكسر الصاد مخففاً ، وقرأ حمزة والكسائي بضم الياء وكسر الصاد مشدداً ، وقرأ ابن عامر بضم الياء وفتح الصاد مشدداً ، وقرأ الآخرون بضم الياء وفتح الصاد مخففاً . { والله بما تعملون بصير } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{لَن تَنفَعَكُمۡ أَرۡحَامُكُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُكُمۡۚ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يَفۡصِلُ بَيۡنَكُمۡۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (3)

فإن احتججتم وقلتم : نوالي الكفار لأجل القرابة والأموال ، فلن تغني عنكم أموالكم ولا أولادكم من الله شيئا . { والله بما تعملون بصير } فلذلك حذركم من موالاة الكافرين الذين تضركم موالاتهم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{لَن تَنفَعَكُمۡ أَرۡحَامُكُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُكُمۡۚ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يَفۡصِلُ بَيۡنَكُمۡۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (3)

ثم بين - سبحانه - الآثار السيئة التى تترتب على ضلالهم عن سواء السبيل فقال : { لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ يَوْمَ القيامة يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ } .

والأرحام : جمع رحم والمراد بهم الأقارب ، الذين كان بعض المؤمنين يوالون المشركين من أجلهم .

أى : منكم - أيها المؤمنون - من أفشى أسراركم للكافرين ، خوفا على أقاربه أو أولاده الذين يعيشون فى مكة مع هؤلاء الكافرين ، والحق أنه لن تنفعكم قراباتكم ولا أولادكم الذين توالون المشركين من أجلهم شيئا من النفع يوم القيامة ، لأنه فى هذا اليوم { يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ } أى يفرق بينكم وبين أقاربكم وأولادكم يوم القيامة ، كما قال - تعالى - : { فَإِذَا نُفِخَ فِي الصور فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ } وكما قال - سبحانه - : { يَوْمَ يَفِرُّ المرء مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وصاحبته وَبَنِيهِ لِكُلِّ امرىء مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } وخص - سبحانه - الأولاد بالذكر مع أنهم من الأرحام ، لمزيد المحبة لهم - والحنو عليهم .

قال الشوكانى : وجملة { يَوْمَ القيامة يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ } مسأنفة لبيان عدم نفع الأرحام والأولاد فى ذلك اليوم ، ومعنى { يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ } يفرق بينكم ، فيدخل أهل طاعته الجنة ، ويدخل أهل معصيته النار ، وقيل : المراد بالفصل بينهم ، أنه يفر كل منهم من الآخر من شدة الهول . . . قيل : ويجوز أن يتعلق { يَوْمَ القيامة } بما قبله ، أي : لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة ، فيوقف عليه ، ويبتدأ بقوله { يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ } والأولى أن يتعلق بما بعده - أي : يفصل بينكم يوم القيامة ، فيوقف على { أَوْلاَدُكُمْ } ويبتدأ بيوم القيامة .

وقراءة الجمهور { يُفْصِلُ بَيْنَكُمْ } - بضم الياء وإسكان الفاء وفتح الصاد - على البناء للمجهول . وقرأ عاصم { يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ } بفتح الياء وكسر الصاد - على البناء للفاعل ، وقرأ حمزة والكسائى { يُفَصِّلُ بَيْنَكُمْ } - بضم الياء وفتح الفاء وتشديد الصاد مع الكسر - بالبناء للفاعل - أيضا - .

وقرأ ابن عامر { يُفَصَّلُ بَيْنَكُمْ } - بضم الياء وفتح الفاء وتشديد الصاد مع الفتح - على البناء للمجهول .

ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بقوله : { والله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } أي : والله - تعالى - لا يخفى عليه شىء من أعمالكم ، بل هو مطلع عليها اطلاعا تاما وسيجازيكم يوم القيامة بما تستحقونه من ثواب أو عقاب .

هذا ، ومن الأحكام والآداب التى أخذها العلماء من الآيات الكريمة ما يأتى :

1 - أن هذه الآيات أصل فى النهى عن موالاة الأعداء ومصافاتهم بأية صورة من الصور ، وشبيه بها قوله - تعالى - : { يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الكافرين أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ المؤمنين أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ للَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً } وقوله - سبحانه - : { ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ البغضآء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ } .

2 - أن هذه الآيات الكريمة تتجلى فيها رحمة الله - تعالى - بعباده المؤمنين ، حيث ناداهم بهذه الصفة مع وقوع بعضهم فى الخطأ الجسيم ، وهو إفشاء أسرار المؤمنين لأعدائهم قالوا : وفى هذا رد على المعتزلة الذين يقولون : إن المعصية تنافى الإيمان .

3 - أن هذه الآيات الكريمة فيها ما فيها من الأساليب الحكيمة فى الدعوة إلى الفضائل واجتناب الرذائل ، لأن الله - تعالى - عندما نهى المؤمنين عن موالاة أعدائه وأعدائهم ، ساق لهم الأسباب التى تحملهم على قطع كل صلة بهؤلاء الأعداء . بأن ذكر لهم أن هؤلاء الأعداء قد كفروا بالحق ، وحرصوا على إخراج الرسول والمؤمنين من ديارهم ، وأنهم إن يتمكنوا من المؤمنين ، فسينزلون بهم أشد ألوان الأذى .

وهكذا يجب أن يتعلم الدعاة إلى الله - تعالى - أن على رأس الوسائل التى توصلهم إلى النجاح فى دعوتهم ، أن يأتوا فى دعوتهم بالأسباب المقنعة لاعتناق الحق ، واجتناب الباطل .

4 - أن هذه الآيات الكريمة صريحة فى أن ما يتعلق بالدين والعقيدة ، يجب أن يقدم على ما يتعلق بالأرحام والأولاد ، لأن الأرحام والأولاد لن تنفع يوم القيامة ، وإنما الذى ينفع هو ما يتعلق بالاستجابة لما يفرضه الدين علينا من واجبات وتكاليف .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{لَن تَنفَعَكُمۡ أَرۡحَامُكُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُكُمۡۚ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يَفۡصِلُ بَيۡنَكُمۡۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (3)

وقوله : { لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } أي : قراباتكم لا تنفعكم عند الله{[28662]} إذا أراد الله بكم سوءًا ، ونفعهم لا يصل إليكم إذا أرضيتموهم بما يسخط الله ، ومن وافق أهله على الكفر ليرضيهم فقد خاب وخَسِر وضَلّ عمله ، ولا ينفعه عند الله قرابته من أحد ، ولو كان قريبًا إلى نبي من الأنبياء .

قال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا حماد ، عن ثابت ، عن أنس ، أن رجلا قال : يا رسول الله : أين أبي ؟ قال : " في النار " فلما قَفَّى دعاه فقال : " إن أبي وأباك في النار " .

ورواه مسلم وأبو داود ، من حديث حماد بن سلمة ، به {[28663]} .


[28662]:- (3) في م: "عند الله ولا أولادكم".
[28663]:- (2) المسند (3/268) وصحيح مسلم برقم (203) وسنن أبي داود برقم (8174).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{لَن تَنفَعَكُمۡ أَرۡحَامُكُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُكُمۡۚ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يَفۡصِلُ بَيۡنَكُمۡۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (3)

وقوله : { لَنْ تَنْفَعَكُمْ أرْحامُكُمْ وَلا أوْلادُكُمْ يَوْمَ القِيامَةِ } يقول تعالى ذكره : لا يدعونكم أرحامكم وقراباتكم وأولادكم إلى الكفر بالله ، واتخاذ أعدائه أولياء تلقون إليهم بالمودّة . فإنه لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم عند الله يوم القيامة ، فتدفع عنكم عذاب الله يومئذ ، إن أنتم عصيتموه في الدنيا ، وكفرتم به .

وقوله : { يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ }يقول جلّ ثناؤه : يفصل ربكم أيها المؤمنون بينكم يوم القيامة بأن يدخل أهل طاعته الجنة ، وأهل معاصيه والكفر به النار .

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء المدينة ومكة والبصرة : «يُفْصَلُ بَيْنَكُمْ » بضم الياء وتخفيف الصاد وفتحها ، على ما لم يسمّ فاعله . وقرأه عامة قرّاء الكوفة خلا عاصم بضم الياء وتشديد الصاد وكسرها بمعنى : يفصل الله بينكم أيها القوم . وقرأه عاصم بفتح الياء وتخفيف الصاد وكسرها ، بمعنى يفصل الله بينكم . وقرأ بعض قرّاء الشام «يُفَصّلُ » بضم الياء وفتح الصاد وتشديدها على وجه ما لم يسم فاعله .

وهذه القراءات متقاربات المعاني صحيحات في الإعراب ، فبأيتها قرأ القارىء فمصيب .

وقوله : { واللّهُ بِمَا تَعْمَلونَ بَصِيرٌ }يقول جلّ ثناؤه : والله بأعمالكم أيها الناس ذو علم وبصر ، لا يخفى عليه منها شيء ، هو بجميعها محيط ، وهو مجازيكم بها إن خيرا فخير ، وإن شرّا فشرّ ، فاتقوا الله في أنفُسكم واحذروه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لَن تَنفَعَكُمۡ أَرۡحَامُكُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُكُمۡۚ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يَفۡصِلُ بَيۡنَكُمۡۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (3)

ثم أخبر تعالى أن هذه الأرحام التي رغبتم في وصلها ليست بنافعة يوم القيامة فالعامل في { يوم } قوله :{ تنفعكم } ، وقال بعض النحاة في كتاب الزهراوي ، العامل فيه { يفصل } وهو مما بعده لا مما قبله ، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والعامة : «يُفْصَل » بضم الياء وسكون الفاء وتخفيف الصاد مفتوحة ، وقرأ ابن عامر والأعرج وعيسى : «يُفَصَّل » بضم الياء وفتح الفاء وشد الصاد منصوبة ، واختلف على هاتين القراءتين في إعراب قوله : { بينكم } فقيل : نصب على الظرفية ، وقيل رفع على ما لم يسم فاعله إلا أن لفظه بقي منصوباً لأنه كذلك كثر استعماله ، وقرأ عاصم والحسن والأعمش : «يَفْصِل » بفتح الياء وسكون الفاء وكسر الصاد خفيفة ، وقرأ حمزة والكسائي وابن وثاب : «يُفَصِّل » بضم الياء وفتح الفاء وشد الصاد المكسورة ، وإسناد الفعل في هاتين القراءتين إلى الله تعالى ، وقرأ النخعي وطلحة بن مصرف : «نفَصِّلُ » بنون العظمة مرفوعة وفتح الفاء وشد الصاد المكسورة ، وقرأ بعض الناس : «نَفْصل » بنون العظمة مفتوحة وسكون الفاء ، وقرأ أبو حيوة ، بضم الياء وسكون الفاء وكسر الصاد خفيفة من : «أفصل » وفي قوله تعالى : { والله بما تعملون بصير } وعيد وتحذير .