{ إله الناس } أي : الذى يدين له الناس بالعبودية والخضوع والطاعة ؛ لأنه هو وحده الذى خلقهم وأوجدهم فى هذه الحياة ، وأسبغ عليهم من النعم ما لا يحصى .
وبدأ - سبحانه - بإضافة الناس إلى ربهم ؛ لأن الربوبية من أوائل نعم الله - تعالى - على عباده ، وثنى بذكر المالك ؛ لأنه إنما يدرك ذلك بعد أن يصير عاقلا مدركا ، وختم بالإِضافة إلى الألوهية ؛ لأن الإِنسان بعد أن يدرك ويتعلم ، يدرك أن المستحق للعبادة هو الله رب العالمين .
قال الجمل : وقد وقع ترتيب هذه الإِضافات على الوجه الأكمل ، الدال على الوحدانية ؛ لأن من رأى ما عليه من النعم الظاهرة والباطنة ، علم أن له مربيا ، فإذا درج فى العروج . .
علم أنه - تعالى - غني عن الكل ، والكل راجع إليه ، وعن أمره تجري أمورهم ، فيعلم أنه ملكهم ، ثم يعلم بانفراده بتدبيرهم بعد إبداعهم ، أنه المستحق للألوهية بلا مشارك فيها . .
وإنما خصت هذه الصفات بالإضافة إلى الناس - مع أنه - سبحانه - رب كل شيء - على سبيل التشريف لجنس الإِنسان ، ولأن الناس هم الذين أخطأوا في حقه - تعالى - ؛ إذ منهم من عبد الأصنام ، ومنهم من عبد النار ، ومنهم من عبد الشمس إلى غير ذلك من المبعودات الباطلة التي هي مخلوقات له - تعالى - .
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : لم قيل : " برب الناس " مضافا إليهم خاصة ؟ قلت : لأن الاستعاذة وقعت من شر الموسوس فى صدور الناس . فكأنه قيل : أعوذ من شر الموسوس إلى الناس بربهم ، الذي يملك عليهم أمورهم ، كما يستغيث بعض الموالي إذا اعتراهم خطب بسيدهم ومخدومهم ووالي أمرهم .
فإن قلت : " ملك الناس . إله الناس " ما هما من رب الناس ؟ قلت : هما عطفا بيان ، كقولك : سيرة أبي حفص عمر الفاروق . بين بملك الناس ، ثم زيد بيانا بإله الناس . .
فإن قلت : فهلا اكتفى بإظهار المضاف إليه الذي هو الناس مرة واحدة ؟ قلت : أظهر المضاف إليه الذي هو الناس ؛ لأن عطف البيان للبيان ، فكان مظنة للإِظهار دون الإِضمار . .
{ ملك الناس إله الناس } عطفا بيان له فإن الرب قد لا يكون ملكا والملك قد لا يكون إلها وفي هذا النظم دلالة على أنه حقيق بالإعاذة قادرا عليها غير ممنوع عنها وإشعار على مراتب الناظر في المعارف فإنه يعلم أولا بما عليه من النعم الظاهرة والباطنة أن له ربا ثم يتغلل في النظر حتى يتحقق أنه غني عن الكل وذات كل شيء له ومصارف أمره منه فهو الملك الحق ثم يستدل به على أنه المستحق للعبادة لا غير ويتدرج وجوه الاستعاذة كما يتدرج في الاستعاذة المعتادة تنزيلا لاختلاف الصفات منزلة اختلاف الذات إشعارا بعظم الآفة المستعاذة منها وتكرير الناس لما في الإظهار من مزيد البيان والإشعار بشرف الإنسان .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.