فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{إِلَٰهِ ٱلنَّاسِ} (3)

{ إله الناس } هو أيضا عطف بيان لبيان أن ربوبيته وملكه قد انضم إليهما المعبودية المؤسسة على الألوهية المقتضية للقدرة التامة على التصرف الكلي بالإيجاد والإعدام .

وأيضا الرب قد يكون ملكا وقد لا يكون ملكا ، كما يقال : رب الدار ، ورب المتاع ، ومنه قوله { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله } ، فبين أنه ملك الناس ، ثم الملك قد يكون إلها وقد لا يكون ، فبين إنه إله ؛ لأن اسم الإله خاص به لا يشاركه فيه أحد .

وأيضا بدأ باسم الرب ، وهو اسم لمن قام بتدبيره وإصلاحه من أوائل عمره إلى أن صار عاقلا كاملا ، فحينئذ عرف بالدليل أنه عبد مملوك ، فذكر أنه ملك الناس .

ثم لما علم أن العبادة لازمة له ، واجبة عليه ، وأنه عبد مخلوق ، وأن خالقه إله معبود ، بين سبحانه أنه إله الناس ، وكرر لفظ الناس في الثلاثة المواضع ؛ لأن عطف البيان يحتاج إلى مزية الإظهار والبيان ، ولأن التكرير يقتضي مزيد شرف الناس ، وقيل : أراد بالأول الأطفال ، ومعنى الربوبية يدل عليه ، وبالثاني الشباب ، ولفظ الملك المنبئ عن السياسة يدل عليه ، وبالثالث الشيوخ ، ولفظ الإله المنبئ عن العبادة يدل عليه ، وبالرابع الصالحين ؛ إذ الشيطان مولع بإغوائهم ، وبالخامس المفسدين لعطفه على المعوذ منه ، ذكره النسفي ، ولا وجه لهذا التخصيص ، وإنما هذا الكلام من لطائف البيان .