وقوله تعالى : { إله الناس } إشارة إلى أنه تعالى كما انفرد بربوبيتهم وملكهم لم يشركه في ذلك أحد ، فكذلك هو وحده إلههم لا يشركه في ألوهيته أحد ، وقد اشتملت هذه الإضافات الثلاث على جميع قواعد الإيمان ، وتضمنت معاني أسمائه الحسنى ، فإنّ الرب هو القادر الخالق إلى غير ذلك مما يتوقف الإصلاح والرحمة والقدرة الذي هو بمعنى الربوبية عليه من أوصاف الجمال . والملك هو الآمر والناهي المعز المذل إلى غير ذلك من الأسماء العائدة إلى العظمة والجلال ، وأمّا الإله فهو الجامع لجميع صفات الكمال ، ونعوت الجلال ، فيدخل فيه جميع الأسماء الحسنى ، ولتضمنها لجميع معاني الأسماء الحسنى كان المستعيذ جديراً بأن يعاذ ، وقد يوقع ترتيبها على الوجه الأكمل الدال على الوحدانية ؛ لأنّ من رأى ما عليه من النعم الظاهرة والباطنة علم أنّ له مربياً ، فإذا درج في العروج في درج معارفه سبحانه علم أنه غني عن الكل ، والكل إليه محتاج ، وعن أمره تعالى تجري أمورهم فيعلم أنه ملكهم ، ثم يعلم بانفراده بتدبيرهم بعد إبداعهم أنه المستحق للإلهية بلا مشارك له فيها .
فائدة : قد أجمع جميع القراء في هذه السورة على إسقاط الألف من مالك ، بخلاف الفاتحة كما مضى ؛ لأنّ المالك إذا أضيف إلى اليوم أفهم اختصاصه بجميع ما فيه من جوهر وعرض ، وأنه لا أمر لأحد معه ، ولا مشاركة في شيء من ذلك ، وهو معنى المُلك بالضم . وأمّا إضافة المالك إلى الناس فإنها لا تستلزم أن يكون ملكهم ، فلو قرئ به هنا لنقص الملك بالضم ، وأطبقوا في آل عمران على إثبات الألف في المضاف وحذفها من المضاف إليه ؛ لأنّ المقصود من السياق أنه سبحانه يعطي الملك من يشاء ويمنعه من يشاء ، والمِلك بكسر الميم أليق بهذا المعنى ، وأسرار كلام الله تعالى أعظم من أن تحيط بها العقول ، وإنما غاية أولي العلم الاستدلال بما ظهر منها .
تنبيه : يجوز في ملك الناس وإله الناس أن يكونا وصفين لرب الناس ، وأن يكونا بدلين ، وأن يكونا عطف بيان ، واقتصر عليه الزمخشري قال : كقولك : سيرة أبي حفص عمر الفاروق ، بين بملك الناس ، ثم زيد بياناً بإله الناس ؛ لأنه قد يقال لغيره : رب الناس ، كقوله تعالى : { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله } [ التوبة : 31 ] ، وقد يقال : ملك الناس . وأمّا إله الناس فخاص لا شركة فيه ، فجعل غاية للبيان . فإن قيل : هلا اكتفى بإظهار المضاف إليه الذي هو الناس مرّة واحدة ؟ أجيب : بأنّ عطف البيان للبيان ، فكان مظنة للإظهار دون الإضمار .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.