التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي  
{إِلَٰهِ ٱلنَّاسِ} (3)

{ ملك الناس إله الناس } هذا عطف بيان ، فإن قيل : لم قدم وصفه تعالى برب ، ثم بملك ، ثم بإله ؟ فالجواب : أن هذا على الترتيب في الارتقاء إلى الأعلى ، وذلك أن الرب قد يطلق على كثير من الناس ، فيقال : فلان رب الدار ، وشبه ذلك ، فبدأ به لاشتراك معناه : وأما الملك فلا يوصف به إلا أحد من الناس ، وهم الملوك ، ولا شك أنهم أعلى من سائر الناس ، فلذلك جاء به بعد الرب ، وأما الإله فهو أعلى من الملك ، ولذلك لا يدعي الملوك أنهم آلهة ، فإنما الإله واحد لا شريك له ولا نظير ، فلذلك ختم به ؛ فإن قيل : لما أظهر المضاف إليه -وهو الناس في المرة الثانية والثالثة - فهلا أضمره في المرتين لتقديم ذكره في قوله : { برب الناس } ؟ أو هلا اكتفى بإظهاره في المرة الثانية ؟ فالجواب : أنه لما كان عطف بيان حسن فيه البيان ، وهو الإظهار دون الإضمار ، وقصد أيضا الاعتناء بالمكرر ذكره كقول الشاعر :

لا أرى لموت يسبق لموت شيء *** يغص الموت ذا الغنى والفقير